حرب الأيام الستة
تأليف: جاي لارون
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
أعاد أسبوع واحد مصيري في يونيو/حزيران 1967 رسم خريطة الشرق الأوسط. وقد وثق العديد من العلماء كيف بدأت حرب الأيام الستة، ولكن القليل منهم قام بتناول وشرح وتحليل سبب حدوث الصراع. بمناسبة مرور 50 عاماً على النكسة، يدحض غاي لارون الاعتقاد المقبول على نطاق عالمي واسع بأن الحرب كانت مجرد نتيجة للاحتكاك الإقليمي، ويكشف عن الأدوار الحاسمة التي لعبتها السياسات الأمريكية والسوفييتية في مواجهة أزمة اقتصادية عالمية طاحنة، ويستعيد دور سوريا الذي غالباً ما يتم تجاهل مركزيته في الأحداث المؤدية إلى الأعمال القتالية.
يعاين الكاتب غاي لارون في عمله الجديد هذا حرب الأيام الستة في ذكراها الخمسين التي تعرف عربياً بنكسة حزيران 1967 ويتوقف عند أسبابها، وعواقبها المستمرة في وجه سياقها العالمي.
ويرى الكاتب أن حرب الأيام الستة زرعت بذور سقوط القومية العربية، ونمو التطرف الإسلامي، والعداء بين اليهود والفلسطينيين. ويتوقف بشكل مفصل في هذا العمل الجديد المهم بوجهة نظر جديدة قائمة على الأبحاث الأرشيفية واسعة النطاق على إعادة تقييم كبيرة للصراع – وسعادة الجنرالات العسكرين بشن الحرب – الذي لا يزال يشكل العالم الحديث.
تغيير الشرق الأوسط
يقول لارون إنه بعد الحرب على فلسطين في 1948 وحرب السويس في 1956، كانت الجولة الثالثة من الصراع العربي «الإسرائيلي» مسألة قصيرة جداً. إذ دامت ستة أيام فقط، لكن مصيرها تقرر في وقت قصير جداً. فخلال الساعات الثلاث الأولى من 5 يونيو، اليوم الأول من حرب الأيام الستة، قضت «إسرائيل» على القوات الجوية بالكامل لمصر وسوريا والأردن والعراق. من تلك النقطة وما بعد، كان على الجيوش العربية أن تتحرك من دون غطاء جوي، وكانت معرضة بشكل كامل لقصف متواصل من قبل القوة الجوية «الإسرائيلية». وذلك الأمر جعل من الحرب مترابطة منطقياً على قصرها. فعلى مدى ستة أيام، غيّرت القوات «الإسرائيلية» خريطة الشرق الأوسط من خلال السيطرة على شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وكنتيجة لذلك، بعد يونيو 1967، تضاعفت «إسرائيل» ثلاث مرات من حيث الحجم، وتحكمت في إمبراطورية إقليمية تمتد من ضفاف قناة السويس في الغرب إلى نهر الأردن في الشرق، ومن شرم الشيخ إلى عمق البحر الأحمر، إلى القمم الثلجية لجبل الشيخ، على مرأى من ضواحي ريف دمشق. الشرق الأوسط لم يعد كما كان على الإطلاق.
رواسب الصدمة والخوف
يقول الكاتب إن «الحرب واحدة من أكثر الأشياء التدميرية التي يستطيع البشر فعلها إزاء بعضهم بعضاً. فهناك ما وراء المدن المدمرة، المقابر، وحمالات نقل الضحايا المغموسة بالدم، والجنود المعاقين، الأيتام، والأرامل، واللاجئين، رواسب عاطفية للصدمة، والخوف الذي ينتقل من جيل إلى آخر. ولا عجب أن العلماء والباحثين، حاولوا على مر العصور أن يفهموا لماذا وكيف تحدث الحرب؟ البحث عن إجابات لهذا السؤال من خلال دراسة حرب الأيام الستة في يونيو 1967، هو بأي حال نهج جديد بطريقة ما. تحاول أكثر التواريخ لهذا الصراع فهم كيف أن هذا الصراع القصير، لكن المهم، نشأ خارج ظروف الشرق الأوسط المحددة.
وبدرجة أقل، ربما يشار إلى سياق الحرب الباردة أو الدولية. ربما يبدو المؤرخون على اتفاق أن مقدمة اندلاع حرب الأيام الستة كانت في أساسها غير مقصودة، وطائشة، نتيجة سلسلة من سوء تقدير الحسابات والفهم. وهذه الفرضية تبين لماذا كل الكتب عن حرب الأيام الستة تسعى إلى فهم أصولها، ونتائجها من خلال استكشاف الفترة القصيرة بين 15 مايو/أيار، عندما تبدأ أزمة إقليمية، و10 يونيو، عندما تنتهي الحرب».
هذه الدراسة تتخذ منهجاً مختلفاً، إذ تناقش أن العملية التي قادت إلى الحرب لم تكن فقط أعمق بكثير، وأطول بكثير، ومتأثرة بالاتجاهات العالمية جداً، بل كانت أيضاً مصممة، وحتى مرغوبة من قبل الشخصيات العسكرية البارزة في البلدان المتحاربة، إذ يعلق لارون: «ظهرت العملية من خارج أزمة عالمية اجتاحت دول العالم النامي في سنوات الستينات، وغيرت موازين القوى بين المدنيين والجنرالات في «إسرائيل» ومصر وسوريا. وهذه الأزمة دفعت كلاً من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة وتعزيز حضورها العسكري في الشرق الأوسط على نحو أكبر. بالمقابل، سرعت هذه التغيرات التوترات القائمة في المنطقة، وجعلت الحرب أكثر احتمالاً. الاختبار القاسي لحرب الأيام الستة للقيادات المدنية الضعيفة، والجنرالات السعيدة بالضغط على الزناد، والقوى العظمى التطفلية، تقدم مثالاً بارزاً عن كيف أن صراعاً إقليمياً ربما يبدأ».
هذه العمليات كانت تمضي لسنوات قبل حدوث حرب الأيام الستة بشكل فعلي. ولهذا السبب هذا الكتاب مخصص لتحقيق واستقصاء طويل في جذور الحرب. في بعض الحالات، يتعقب الكاتب القصة ويعود إلى مناقشة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لاستكشاف صعود السياسة المحلية وخلق التشابكات الدولية التي جعلت المنطقة قنبلة موقوتة. في هذا الكتاب، لا يتم النظر إلى الحرب كحادثة تاريخية بل بالأحرى هي نقطة التقاء للاتجاهات التاريخية المتنوعة، بعضها إقليمية، وأخرى عالمية، وكل منها تتابع طريقها المتعرج الخاص بها، لكن عندما تلتقي تتسبب بالدفع بطبول الحرب لأن تقرع بصوت أقوى ووتيرة أسرع.
صراع التيار العسكري والتيار المدني
في تقديم شرح شامل لأصول حرب الأيام الستة، يجد لارون ضرورة التأكيد على عاملين في هذه القصة. الأول هو العلاقة العدائية بين المدنيين والجنرالات. فالصراع بين الحكومة «الإسرائيلية» وكبار الضباط في الجيش «الإسرائيلي» كانت منعكسة على الجانب الآخر من الحدود في مصر، حيث في وقت مبكر من العام 1962، شعر الرئيس جمال عبدالناصر بأنه فقد السيطرة على الجيش. فخلال سنوات 1965-1967 وجد أنه من الصعب مقاومة الضغط المطبق من قبل عبد الحكيم عامر – الذي كان نائب الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية – لإعادة عسكرة سيناء. وفي سوريا، الجيش تعامل مع المشكلات بنفسه من خلال القيام بانقلابين عسكريين في 1963 و1966. من تلك النقطة وما بعد، سياسة سوريا تجاه «إسرائيل» أصبحت صدامية أكثر.
ويضيف معلقاً: «باختصار، المتحاربون الثلاثة الكبار في حرب الأيام الستة رأوا جنرالاتهم يميلون باتجاه المدنيين للقيام بتحرك حربي. وهذا بالكامل لا يبعث على الدهشة. فالأدبيات الكثيرة حول العلاقات العسكرية المدنية تتوقع بدرجة معينة من الاحتكاك بين الطرفين نتيجة لأدوارهما المختلفة والتجارب الحياتية. وكشيء متعارف عليه، يحمل الجنرالات وجهة نظر مرتكزة على الصراع، ويكونون أسرع في اللجوء إلى القوة استجابة للأزمات العالمية. ويميلون إلى دعم مبدأ عدواني من شأنه أن يعزز من هيبة الجيش، والاستقلال في القرار والمصادر. أما القادة المدنيون، على العموم، فإنهم يسعون إلى المزيد من التعاون الدولي، ويمارسون الدبلوماسية لحل الصراعات. كما يكافحون لأجل تقليل المصادر المخصصة للاستخدام العسكري لتمكين الإنفاق على الخدمات الاجتماعية التي تساعد على شراء الدعم الانتخابي».
ويرى الكاتب أن نظرية
العلاقات العسكرية- المدنية تفترض أن هذا التوتر يمكن إدارته بشكل أفضل في الديمقراطيات المتقدمة أكثر من الدكتاتوريات النامية. في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، ربما يعتمد المدنيون على مجتمع مدني نشط والوكالات الرسمية القوية (الشرطة، المخابرات السرية، المؤسسات التعليمية وغيرها) لترويض الجيش. في المقابل، تمتلك دول العالم الثالث مؤسسات ضعيفة وجيوشاً قوية. العديد من القوات المسلحة في إفريقيا والشرق الأوسط نشأت في فترة ما بعد الاستقلال، عندما تورطت في صراعات ضد حكومات استعمارية، فهذا منحها الهيبة وقوّى من ميولها العسكرية في عدم طاعة المدنيين، الذين كانوا، تقليدياً، جزءاً من الإدارة الاستعمارية. إضافة إلى أن المجتمع المدني كان يميل إلى أن يكون أضعف في الدول ما بعد الاستعمارية، التي تقبل قاعدة حكم البندقية بشكل غير مبالٍ».
الأنماط المختلفة للعلاقات
إلى درجة ما – بحسب ما قاله الكاتب أعلاه – يبين الأنماط المختلفة للعلاقات بين الجانبين العسكري والمدني في «إسرائيل» ومصر وسوريا. في «إسرائيل»، الأكثر تطوراً من بين الدول الثلاث، كان على الحكومة أن تستجيب للضغوط القوية التي مورست من قبل الجيش خلال سنوات الستينات لكنها لكم تكن، ولم يسبق لها أن كانت، في خطر حقيقي من كون إزالتها من السلطة. في مصر، الدولة العربية الأكثر تطوراً من الناحية الصناعية، مخاوف عبد الناصر من انقلاب جعله يقوم بمخاطر ما كان يقوم بها في أحوال أخرى، فالقرار بتحدي «إسرائيل» في مايو 1967، الذي حاول عبدالناصر أن يتجنبه في وقت مبكر، هو مثال بارز.
أما في سوريا، الدولة الأقل تطوراً من بين الثلاثة، حصل انقلاب وأصبحت البلاد تحت حكم عسكري بشكل قوي منذ 1966.ويقول الكاتب: «إن العلاقات العسكرية- المدنية في سوريا، ومصر و«إسرائيل» كانت محفوفة بالتوتر منذ قيامها العام 1948. علاوة على ذلك، المواجهة بين السياسيين والضباط أصبحت حادة أكثر في كل هذه البلدان خلال سنوات الستينات. حقيقة أن هذه العمليات الداخلية حدثت تقريباً على الفور في ثلاثة بلدان تشير إلى أن السياسة المحلية وحدها لا يمكن أن توضح دورة الأحداث التي ترجمت إلى حرب الأيام الستة».
ويضيف: «وهذا ينبغي أن يجذب انتباهنا إلى العامل الثاني: قضية ميزانية مدفوعات الأزمات. من 1962 وما بعد، كانت مصر تشتري من العالم أكثر مما تبيع له، و«إسرائيل» كانت لديها المشكلة ذاتها، ولهذا السبب نفذ عبد الناصر ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» ليفي أشكول إجراءات تتعلق بالركود في 1965، ما أثار انحداراً اقتصادياً أودى بشعبيتهما. وفي سوريا التدابير التي اضطلعت بها الحكومة السورية في 1962 للتعامل مع العجز الكبير في ميزانية المدفوعات خلق رد فعل عنيف انتهى بانقلاب عسكري في مارس 1963، والانقلاب ذهب بعيداً عن توقعات النخبة السورية التقليدية من الملّاك والتجّار الصناعيين، ووضع سوريا على طريق المواجهة مع الجار اليهودي».
يتضح من هذا العمل أن حرب الأيام الستة كانت أساساَ نتيجة حالة الذعر في «إسرائيل» بدلاً من المصالح السياسية العقلانية لموسكو وواشنطن و»تل أبيب»، أو حتى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الذي كان يتصرف بديناميكيات الحرب الباردة في الشرق الأوسط. ويبين أن احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية كان قراراً «إسرائيلياً» قاتلاً: وبعد مرور خمسين عاماً، لا يزال يحول دون إحراز أي تقدم نحو السلام.
يأتي الكتاب في 384 صفحة من القطع المتوسط، وهو صادر حديثاً عن مطبعة جامعة ييل باللغة الإنجليزية، ويحتوي على 22 فصلاً بعد المقدمة.
نبذة عن الكاتب
جاي لارون محاضر في العلاقات الدولية، وكان باحثاً زائراً في جامعة ميريلاند، جامعة نورث وسترن، وأكسفورد. وهو مؤلف «أصول أزمة السويس» ويعيش في «تل أبيب». وينشر باستمرار في الصحف الإنجليزية أبرزها «ذا جارديان».