قضايا ودراسات

حرب المقدّس والمدَنَّس

خيري منصور
لم يعد أمام الموجات المتوحشة للإرهاب أية خطوط حمر. أو كوابح سواء كانت ذات مرجعية دينية أو أخلاقية، ففي أقل من أسبوع هُدِم مسجد النوري في الموصل ومئذنته التي قارب عمرها الألف عام، واقترب الإرهاب المدَنّس من الحرم المقدّس.
إنها الآن حرب المقدّس ضد المدَنَّس، والمنطق ضد الهذيان والجنون، والآدمية ضد التوحش، حيث يراد للإنسان أن يعاد رغماً عنه ولا يعود باختياره آلاف الأعوام إلى الغاب والكهف ما قبل الشرائع، سواء كانت سماوية أو أرضية كشريعة حمورابي وما أعقبها من محاولات بشرية لجعل الحياة على هذا الكوكب ممكنة وآمنة!
والإرهاب يشبه سمكة القرش والعقرب معاً، فهو يصاب بالسعار إذا شم رائحة الدم حتى لو كانت رائحة دمه، لهذا ينتحر كأسماك القرش، وإذا لم يجد مجالاً لتفريغ حمولته من السم كالعقرب ينتهي إلى أن يلدغ نفسه!
لهذا فإن ما يثار الآن في بعض الأقطار العربية حول مصير العائدين من «داعش» وهي تقترب من نهايتها، فهم من الناحية السياسية والأيديولوجية، يمكن البحث في إعادة تأهيلهم إذا تابوا وكانوا صادقين، لكن من الناحية السيكولوجية هناك ما هو أشد تعقيداً؛ لأن هؤلاء أدمنوا القتل والذبح واستمرأوا رائحة الدم، ولا يطيقون البطالة عن هذا الشذوذ والإجرام.
والفيروس الدموي الذي يحملونه قابل للانتقال بالعدوى، وما يقوله علم النفس عن هؤلاء يثير القشعريرة في الجسد والغثيان في الدماغ، فهم مرضى في أقصى مراحل فقدان المناعة الأخلاقية، والطبع فيهم كما قال ابن خلدون يغلب التطبع!
إذن ما العمل؟ وكيف يمكن التعامل مع هذه النماذج التي أعاد فقهاء الإرهاب والظلام إنتاجها بعد تجريدها من أية مشاعر بشرية؟
إنها الحرب التي تستحق أن توصف بأنها حرب الحروب كلها؛ لأنها بين المحلَّل والمحرَّم، وبين المقدّس والمدنَّس، وبين ثقافة تمجد الحياة وتبشر بها، وبين ثقافة يلعب الموت فيها دور البطولة.
هكذا تلاشى آخر هامش في حرب طرفاها الحياة والموت والمهد والتابوت!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى