حرب على الحرب
د. حسن مدن
صحيح أن حرباً عالمية ثالثة كالحربين العالميتين الأولى والثانية لم تقع، وأن اللاعبين الكبار الذين انتصروا في الحرب الأخيرة سعوا ما في وسعهم كي لا تندلع حرب جديدة، ليس انطلاقاً من حسن نواياهم، ولا انطلاقاً من أنهم استخلصوا من تجارب الحربين السابقتين العظة عن أهوال الحرب، فحتى المنتصر فيها سيقدم من الخسائر الشيء المهول، وإنما لأنهم ببساطة أدركوا أن حرباً عالمية جديدة لن يكون فيها منتصر، وأن الثمن فيها قد يكون نهاية الحياة على ظهر الكوكب.
وهذه الخلاصة التي يمكن أن توصف بالمرعبة، أتت من حقيقة أن ما بات في حوزة الكبار من أسلحة فتاكة جديدة لم تكن موجودة قبل ذلك كفيلة بأن تؤدي إلى تلك النتيجة، وكانت غاية إلقاء قنبلتين أمريكيتين ذريتين على اليابان في نهاية الحرب، دونما حاجة عسكرية فعلية لذلك، إيصال التحذير لحلفاء أمريكا في الحرب، وليس للمنهزمين.
القنابل النووية لم تعد في حوزة الكبار وحدهم. إن لاعبين أصغر حجماً ودوراً باتوا يملكونها، وفي مقدمتهم «إسرائيل»، إضافة إلى الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وهناك لاعبون آخرون يحثون الخطى لامتلاكها ما إن تحين لهم الفرصة.
لكن لو جمعنا عدد ضحايا الحروب التي يمكن وصفها بالصغيرة مجازاً حين نقارنها بالحروب العالمية، لوجدنا أنه يفوق عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية، وأن حجم ما اقترف من جرائم فيها لا يقل، بل يزيد على تلك التي اقترفت في الحرب العالمية من تهجير، و«تطهير» عرقي، واحتلال لأراضي الآخرين، ونهب ثرواتهم، واستباحة كل القيم الإنسانية.
من هنا يصح القول إن الآمال التي عقدت بعد نهاية الحرب العالمية الأخيرة بأن عالماً جديداً آمناً يسوده العدل والسلام قد نشأ، أو أنه كان في طور التشكل، وأن البشرية قد غادرت «توحشها» إلى الأبد، حيث أوحى المنتصرون لبقية شعوب الأرض أنهم لم يكونوا يحاربون هتلر وحده في تلك الحرب، وإنما يحاربون فكرة الحرب نفسها بغية إزالتها من قاموس البشر، لم تكن إلا أوهاماً زرعت في أذهان الناس.
كان على الشعب الجزائري مثلاً، أن يدفع أكثر من مليون شهيد من أجل نيل استقلاله من فرنسا الجمهورية الخارجة من ثورة ضد الاستبداد، ودفع الفيتناميون تضحيات لا تقل لكي يخرجوا الأمريكان من بلادهم، فيما رعى المنتصرون في الحرب تشريد الفلسطينيين من فلسطينهم لكي تقام عليها دولة هي والحرب قرينان.
madanbahrain@gmail.com