قضايا ودراسات

حروب الآخرين لا حروبنا

في تقصي جذور ما يمكن أن نطلق عليه «الجهادية» الحديثة التي استلت مفردة الجهاد من سياقها التاريخي – الديني، لتشوهها، وتسيء إلى مدلولها، حين جرى إطلاقها على معارك أبعد ما تكون عن الجهاد في المعنى الحقيقي له، سنجد أنها نشأت، أو على الأقل تبلورت واتضحت معالمها، في حرب أفغانستان ضد الوجود العسكري السوفييتي في الثمانينات، حيث انهالت على ذلك البلد أفواج من الشبان العرب الذين جرى التغرير بهم، وزجهم في محرقة الحرب على أرض بعيدة عن أوطانهم، وفي حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
لم تكن حرب أفغانستان هي حرب المسلمين ضد الكفار والملحدين، كما جرى تصويرها، وإنما هي في الجوهر حرب أمريكية – سوفييتية، عندما كانت الحرب الباردة في أوجها، حيث أرادت الولايات المتحدة الأمريكية مقارعة الاتحاد السوفييتي على مقربة من حدوده الجنوبية، خاصة بعد الاختراق الذي تحقق له في أفغانستان، حين قام في كابول نظام موالٍ له.
لكن الأمريكان الذين لم يكونوا قد برؤوا بعد حينها من عقدة فيتنام التي تلقوا فيها هزيمة نكراء، لم يكونوا في وارد التورط المباشر، مجدداً، في طاحونة حرب أخرى، فنشأت يومها نظرية الحروب بالوكالة، التي تطوّع العرب ليكونوا وقوداً لها، بتسهيل تدفق «المتطوعين» من الشباب العرب الذين جرى غسل أذهانهم بطريقة محكمة، لإيهامهم بأنهم يخوضون حرباً مقدسة دفاعاً عن دينهم، وبتحمل تكلفة الكثير من أوجه الإعداد العسكري واللوجستي في تلك الحرب.
انسحبت موسكو من أفغانستان شبه منهزمة، بعد أن منيت بخسائر هائلة، وانتهى بذلك الفصل الخاص بحرب إخراج الجنود الروس من هناك، لكن الظاهرة «الجهادية» لم تنته، بل نبتت لها أنياب وأظفار، واستوت لها أذرع ضاربة، وبدل أن تكون محصورة في بقعة جغرافية محدودة هي أفغانستان، تمددت في البقاع المختلفة، لتتناسل من تحت عباءتها فرق ومجموعات هي نفسها التي تخاض اليوم ضدها معركة مكافحة الإرهاب.
لقد ارتدت هذه الظاهرة علينا، ومن صفوفها خرج أولئك الذين ارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم تقشعر لها الأبدان، وصاروا يهددون لا حياة وسلامة البشر وحدهم، وإنما يهددون وجود الدول الوطنية نفسها، حيث جرى العمل على تقويضها.
والدول العربية اليوم تخوض معركتها مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية بغية شل فاعليتها، والقضاء عليها، يتعين علينا استخلاص الدرس المُر حول خطورة أن نجد أنفسنا متورطين في حروب ومعارك ليست معاركنا، ولا تخدم مصالحنا الوطنية، إنما تخدم أجندات ومصالح دول كبرى وإقليمية، حتى لو خاضت حروبها على أراضي بلداننا، غير آبهة بتحويلها إلى ساحات حرب ودمار، وبأن يكون أبناؤنا وقوداً لها.

د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.comEmail

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى