قضايا ودراسات

حفظ السلام يتطلب مزيداً من النساء

جين ماري جيهينو*

مع انعقاد قمة الأمم المتحدة السنوية لقوات حفظ السلام التي تجري هذا العام في فانكوفر بكندا، تبرز الحاجة إلى ضرورة زيادة المشاركة النسائية في هذه القوات، ما يشكل إضافة نوعية لعمل قوات حفظ السلام.
فقدَ الالتزامُ الدولي بمزيد من تمثيل النساء في حفظ السلام قدراً كبيراً من الزخم. وعلى الرغم من أن قادة الأمم المتحدة، ملتزمون بلاغياً، فإنهم- مدنيّين ورسميّين على حدّ سواء- كثيراً ما اعتبروا قضايا الجنسانية (أي نوع الجنس) غير جوهرية، وغير ضرورية. ولكن في غياب الاهتمام الأصيل بمشاركة النساء السياسية، وديناميات الجنسانية في المجتمعات المتأثرة بالصراعات، يظل حفظ السلام الذي تسعى إليه الأمم المتحدة، عرضة للفشل في تحقيق المهمة الموكلة إليه.
في 14 و15 نوفمبر/تشرين الثاني، (استضافت) كندا قمة الأمم المتحدة السنوية لحفظ السلام. وهذا الحدث الرفيع المستوى الذي يشارك فيه أكثر من 500 وفد من 70 بلداً، ومنظمة دولية، تجتمع في فانكوفر، يمكن أن يقوم بدور المحفز المهم للغاية، لتنشيط الالتزام الدولي بالمساواة بين الجنسين في حفظ السلام. فمِن دون القيادة العالمية، تتعرض الجهود المبذولة منذ عقود طويلة لتعزيز الاستجابات المراعية للاعتبارات الجنسانية، لخطر الوقوع في الجمود.
وتشير الدلائل إلى أن حافظات السلام الإناث، يمكن أن يقمْن بدور القدوة للنساء المحليات، ويساهمن في تحسين العلاقات مع المجتمع المضيف، وتسهيل جمع المعلومات في المجتمعات التي يتقاعس فيه السكان المحليون عن التفاعل مع الغرباء من الجنس الآخر. كما أن زيادة وجود النساء، أساسية في خفض حدوث الاغتصاب، واستخدام البغاء من قبل قوات حفظ السلام. وفي حالات الاعتداء الجنسي، تشير الضحايا إلى أن من الأسهل عليهن الإبلاغ عن الجرائم الجنسية، لحافظات السلام من الجنس نفسه.
ومع ذلك، فإن الجهود لزيادة عدد حافظات السلام الإناث، مخيبة للآمال منذ زمن طويل. وفي السنوات الأخيرة، بقيت مشاركة النساء، اللائي يشكلن أقل من خمسة في المئة، من قوات حفظ السلام عالمياً، منخفضة، ولا تبدو أي دلائل على الازدياد. ولا يوجد حالياً سوى امرأتين فقط من بين كل 15 من رؤساء عمليات حفظ السلام.
وقد تعهد الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو جوتيريس، بالتوصل إلى التكافؤ الجنساني، في جميع وكالات الأمم المتحدة بحلول عام 2030، ولكن المنظمة لا تملك إلاّ القليل من التأثير فيمَن يتم تجنيدهم ونشرهم من قبل الدول التي تسهم في تقديم القوات. وقد تبنت بعض الدول الأعضاء سياسات لزيادة عدد النساء في قوات الأمنية- وكندا مثال على ذلك، حيث تهدف إلى زيادة عدد حافظات السلام الإناث كل عام- ولكن معظم الدول المساهمة بالقوات ذات سجل ضعيف في تمثيل النساء في قواتها. وينبغي حث الدول المساهمة على توفير مزيد من حافظات السلام الإناث.
وبطبيعة الحال، تتطلب تلبية الاحتياجات والمصالح الخاصة بنوع الجنس في حفظ السلام، أكثر من مجرد زيادة عدد النساء. وهي تستدعي تحليلاً شاملاً لديناميات وواقع الجنسانية في المجتمعات حيث يعمل حافظو السلام. ولا يمكن تحقيق ذلك، إلاّ إذا بذل قادة حفظ السلام في الأمم المتحدة جهداً واعياً على صعيد دمج الديناميات الجنسانية في عملهم، وعكس صورتها عندما يبتدعون سياسات وتدخلات جديدة. ومن شأن زيادة عدد المستشارين المعنيين بنوع الجنس، الذين يدعمون بصورة مباشرة رؤساء بعثات حفظ السلام، ويضمنون عدم تهميشهم، أن تكون خطوات ملموسة في ذلك الاتجاه.
من المرجح أن تفاقم الأزمات التمييز القائم ضدّ النساء والفتيات، وتشوّه الأعراف الاجتماعية التقليدية. ويستحيل ابتداع حلول مستدامة للسلام، من دون النظر إلى هذه القضايا في الاعتبار. وتعتبر ليبيريا التي لعبت فيها النساء دوراً مهماً في المفاوضات التي أدت إلى السلام، مثالاً على ذلك.
وهنالك حاجة أيضاً إلى فهم أكبر للتأثيرات في الصراع، المتعلقة بنوع الجنس، من أجل ابتداع تدخلات ملائمة. وفي العقود الأخيرة، ظهرت أشكال من العنف، تتخذ الهوية الجنسانية للضحية هدفاً رئيسياً لها. ويصح ذلك بوجه خاص في الحالات التي يتم فيها تحويل العنف الجنسي إلى سلاح للحرب.
وممّا يدعو إلى الأسف بوجه خاص، أن التقارير مستمرة في الظهور عن الإيذاء الجنسي من قِبل قوات حفظ السلام، بينما لا تملك الأمم المتحدة سوى وسائل محدودة لمحاسبة المسؤولين عنه.
وفي يونيو/حزيران، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة خفض 600 مليون دولار (أمريكي) من ميزانية حفظ السلام السنوية البالغة 8 مليارات دولار، ما أدى إلى إزالة، أو تقليص العديد من المناصب الميدانية المسؤولة عن إدماج المنظور الجنساني في عمل بعثات حفظ السلام. وكان أحد الآثار التي ترتبت على ضغوط الميزانية، على حفظ السلام، الإحجام عن ضمان شغل الوظائف الاستشارية الشاغرة في مجال الشؤون الجنسانية داخل البعثات. وفي ظل غياب الموارد، أو تكريس الموظفين، هنالك احتمال قوي لأن تبقى الخبرة الجنسانية مستبعدة من اتخاذ القرار، وعمليات تطوير البرامج.
ومع استعداد فانكوفر لاستضافة قمة الأمم المتحدة لحفظ السلام هذا العام، ينبغي على الدول الأعضاء أن تقتدي بكندا، باعتبارها داعية معترفاً بها دولياً، لحقوق المرأة، والمساواة بين الجنسين. وينبغي على هذه الدول، أن تتعهد بالتزامات ملموسة لتوسيع تجنيد النساء في خدماتها الأمنية، وتزيد في الوقت ذاته نشر قوات حفظ السلام النسائية.

*الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة لمنع الصراع – موقع: صحيفة «ذي جلوب اند ميل»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى