حملات التشويه في الإعلام الأمريكي
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
تأليف: شاريل أتكسون
ليس كل ما يقال في الإعلام ذا مصداقية، فالكثير من التقارير التي نسمعها ونقرأها زائفة، وتحتوي على معلومات مضللة للرأي العام، وهنا الحديث عن الإعلام الأمريكي الذي يعاني بشكل فعلي فساداً حقيقياً، ويتضح شكل الفساد في الحملات الإعلامية الموجهة لتشويه سمعة شخصيات بارزة، خاصة السياسية منها، وبشكل فاضح تحديداً في العقدين الأخيرين، حيث بات هناك متخصصون متنفذون في لعبة التشويه، إذ يعملون على مدار الساعة لأجل تغيير الحقائق. تحاول الإعلامية الأمريكية شاريل أتكسون في عملها هذا أن تزيح الستار عن منظمي الحملات المغرضة، وكيفية تشكلها، والأموال التي تنفق عليها.
شهدت الصحفية الاستقصائية الأمريكية المخضرمة شاريل أتكسون حملات التشويه المغرضة، وبعضها استهدفها بشكل مباشر، ومن منطلق تجربتها وخبرتها تأخذ القراء إلى ما يحدث وراء كواليس في آلة التشويه الحديثة، وتستكشف كيف أن موظفين بارزين من الشركات، وسياسيين تلاعبوا بوسائل الإعلام البارزة المتواطئة لفبركة التقارير المضللة، والشائعات. تقدم الكاتبة دراسة مفصلة لمراكز التفكير، والشركات والمنظمات غير الربحية التي أصبحت من المؤيدين الخفيين لبعض من أكبر حملات التشويه في السياسة الأمريكية.
تكشف المؤلفة الحيل القذرة التي يستخدمها منظمو الحملات الدعائية المغرضة في الولايات المتحدة، ممن يمتلكون السلطة للتأثير في الرأي العام؛ إذ تجد أن السياسة في الولايات المتحدة تحولت إلى رياضة دموية شرسة، مشيرة إلى أن وراء معظم القصص السياسية الكبرى في العصر الحديث، توجد أجندة. وهذه الحملات تتشكل عبر جهد يقوم به باحثون موالون لسياسيين معارضين لشخصيات أخرى في المشهد السياسي. وترى أن التكتيك الذي يستخدمونه هو التشويه، معلقة: «كل يوم، يتأثر الأمريكيون بالتشويه دون معرفة ذلك. فالقوى التي يدفع لها تشكل بذكاء تقريباً كل صورة تعبر أمامنا. ربما تقرأ أن دونالد ترامب هو عنصري كاره للنساء، أو ترى شخصاً ما على الأخبار يسخر من حملة بيرني ساندرز أو هيلاري كلينتون. خدعة التشويه غالباً ما تقوم على بعض من أجزاء الحقيقة، ولكن التقارير الإعلامية المضللة مصممة لحجب الحقيقة. ويتوقف النجاح على قدرة فنان حملة التشويه «على البقاء مخفياً، لجعله يبدو كما لو أن عملهم غير مقصود. إذ يجب أن يبدو الأمر على وجه التحديد ما هو ليس كذلك. وبغض النظر عن الدقة في المضمون، تتكرر المواضيع حتى تصبح مقبولة من قبل الكثيرين كحقیقة.. لا شيء يحدث عن طريق الصدفة».
إخفاء الحقائق
تقول الكاتبة في مقدمتها: «تقريباً في كل يوم، يطفح صندوق بريدي الإلكتروني برسائل تحتوي على مناشدات من المشاهدين يطلبون – لا بل يتوسلون – أن أجري قصصاً استقصائية عن أمور غير معقولة ولا يمكن تصديقها. هؤلاء مقتنعون أن الحقيقة مخفية عنهم على نطاق واسع. وأن هناك من يتلاعب بما يرونه على الأخبار وعلى الإنترنت، ويتآمر لإخفاء حقائق منتقاة ويقدم روايات معينة، ويتواطأ للقيام بحملات تشويه سمعة بعض الناس». وتضيف «شكوكهم صحيحة، حتى لو كان مفهومهم للحقيقة في كثير من الأحيان مشوشاً. في الواقع، غالباً ما يكون هذا التشويش والخلط بفعل تصميم كبير»، مضيفة أن «بزنس حملات التشويه» تأسست بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، حتى بلغ مستوى عالياً في الوقت الراهن.
تشير إلى أنه في نهاية حملة 2016، كانت إحدى القصص التي حثتها على التحقيق والاستقصاء هي «#Pizzagate» المتعلقة بهيلاري كلينتون، وتقول: «إنها مجموعة متشابكة من الاتهامات التي لا يمكن تصورها حول هيلاري كلينتون المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي ودائرتها الداخلية. «أخبار» هذه الفضيحة الصادمة كانت تتداول على الإنترنت، ومنظرو المؤامرة يصدقون أن الصحافة في اتجاهها السائد تتستر عليها. هذه المزاعم انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع شبه إخبارية، ومدونات، وفيديوهات منشورة من قبل مصادر مجهولة.
القصص مملوءة بأسماء أماكن وأشخاص حقيقيين، ممتزجة بحكايات مفبركة عن قصص اغتصاب طفولية، وأخرى تتعلق بالإباحيات. وتضيف: «نشر فيديو غامض تحت اسم «مجهول» يعد المشاهدين في الأسبوع الأخير من الحملة بالكشف عن أدلة لا تقبل الجدل بشأن جرائم تضع أشخاصاً في موضع الاتهام. مصادر هذه المعلومات التي لم يتم الكشف عنها بعد، وفقاً للفيديو، تم التواصل معها من قبل وكالة المخابرات المركزية «إف بي آي»، وهي مستعدة لاعتقال المتورطين».
تستعرض الكاتبة عبر العمل مسيرتها الشخصية، وكيفية صناعة الحملات في فترة انتخابات دونالد ترامب، والرسائل التي كانت تردها حول إجرائها تحقيقاً صحفياً عن قصص روجت ضده. الكاتبة ليست في موقف المدافع عن شخصية ما، بل تحاول أن توضح الإشكالية اليومية التي عاناها الرأي العام، بسبب حملات التشويه المنظمة، معلقة: «لم نصل إلى هذا المستوى بين ليلة وضحاها. فالعقدان الماضيان كانا حاضنة لصناعة حملات التشويه والأخبار الكاذبة. الأدوات والتكتيكات تطورت من المدرسة القديمة إلى التكنولوجيا الفائقة. كميات لا تصدق من الأموال تنتقل من يد إلى أخرى، مع أن بعضاً من أكثر حملات التشويه ضرراً يمكن أن تكون منجزة بفكرة صغيرة واتصال بالإنترنت». في 2016، وجد تقرير لمركز أبحاث «بيو» أن أكثر من 44 في المئة من السكان البالغين الأمريكيين حصلوا على أخبارهم من «فيسبوك»، الذي يستخدمه بشكل يومي أكثر من 1.9 مليار شخص. بعض من تلك الأخبار صحيحة. وبعضها زائفة. اليوم، يمكن لحركة كاملة أن تبدأ مع بضع حسابات زائفة على موقع تويتر، وتغريدة لا تتجاوز 140 حرفاً.
وتستشهد بما يقوله أحد العاملين في «بزنس حملات التشويه» ودور وسائل التواصل الاجتماعي في المساعدة على ترويج الشائعات والأخبار المضللة: «لا يترتب عليك أن تنفق الملايين على شراء الإعلانات السياسية بعد الآن. إذ يمكنك أن تشعل حرائق هائلة بعود صغير جداً، وهو أداة جديدة الآن».
ما هي حملات التشويه؟
تتساءل الكاتبة عن ماهية حملات التشويه الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية قائلة: «ما هي بالضبط حملة تشويه السمعة؟ في الواقع، ذلك يعتمد على من تسأل. فحملة تشويه لسمعة شخص هي حقيقة رجل آخر. في عبارات أبسط، إنها جهد للتلاعب بالرأي عن طريق نشر روايات فضائحية ومؤذية ومبالغ فيها بحق شخص معين. والهدف غالباً ما يكون لأجل تدمير أفكار موجودة عن شخص وجعلها معكوسة. ربما ما لا تعرفه هو أن هناك الكثير من هذا التلاعب قد تم عبر طرق مخفية تماماً للمستهلك العام. فالقوى المدفوع لها تبتكر طرقاً سرية ذكية لصياغة المشهد الإعلامي العام بطرق لا يمكنك تخيلها. هدفهم هو خداعك. الأفكار العامة تكون محبوكة ومدبرة بدقة لتظهر وكأنها عشوائية. و«مقالات الرأي في المنشورات الإخبارية المطبوعة الكبرى يكتبها كتّاب مجهولون عبر عملاء يدفعون لهم».
تستشهد بآراء العديدين في حملات تشويه السمعة، من بينهم المعلق السياسي الأمريكي تاكر كارلسون في قناة «فوكس نيوز» الذي يتحدث عن حملات التشويه الناجحة في العصر الحديث، إذ يقول: «أولاً يجب أن تكون الحملة مثيرة للاهتمام تماماً، ويفضل أن تكون بذيئة. أي شيء يتعلق بمواد الصحف الشعبية مثل الجنس والجشع وارتكاب خطيئة. ثانياً: يجب أن يتم توضيح حملة تشويه السمعة وشرحها في جملة أو جملتين. حتى أنه من الأفضل أن يتم اختزالها في عبارة لافتة مثل «حرب على النساء» أو «هيلاري الفاسدة» وغيرها. وأخيراً، يجب أن تؤكد حملات التشويه على ما يريد الكثير من الناس أن يصدقوه. فإذا ما كانت بعيدة وغير مرتبطة مع ما يمكن تصديقه أو ما هو مرغوب فيه لدى الرأي العام، فإن الحملة تفشل.
على خطى غوبلز
ترى الكاتبة أنه في الوقت الراهن، القصص الإخبارية، المراسلون، والمنافذ الإعلامية يتعرضون إلى حملات تشويه بدرجة منظمة وعدائية. وشركات الاتصالات الاستراتيجية تنطلق في هذا العمل. وتجد أن المعلومات الخاطئة، الإشاعات، والتلميحات الجنسية متداولة ضد المراسلين على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي. وترسل «البيانات الصحفية» السلبية إلى قوائم طويلة من عناوين المراسلين والمثقفين البريدية. وخلال وقت قصير، تغرق هذه الجهود الدعائية الزائفة القصة الحقيقية وتسيطر على القصص الإخبارية.
وتعلق على ذلك: «أحد أكبر الضحايا هي الصحافة الاستقصائية النزيهة. فشركات العلاقات العامة، والشركات الأخرى، والناقدون اللاذعون في السياسة يجعلون الأمر صعباً على الصحفيين الجيدين لإجراء تقارير مستقلة بشأن القضايا المهمة. الصحفيون الجيدون يكرهون ما حدث للأخبار في الولايات المتحدة»، مضيفة: «حملات التشويه الإعلامية في الولايات المتحدة تجعل آلاف الأشخاص أغنياء. وهي تتحول إلى واحدة من أكبر الصادرات العالمية».
تتناول الكاتبة أيضاً آراء وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز الذي كان يقوم بحملات إعلامية يجمّل فيها صورة الديكتاتور هتلر، ويشوّه صورة كل من يخالفه، وتلخص الكاتبة بعضاً من القواعد التي كان غوبلز يستخدمها، وتجدها اليوم مستخدمة في الإعلام الأمريكي بشكل أو بآخر ومنها: «كذبة واحدة تبقى كذبة، لكن تكرار الكذبة ألف مرة تصبح حقيقة»، «لا ينبغي نشر كل خبر، بدلاً من ذلك يجب على المتحكمين بالسياسات الإخبارية أن يسعوا لجعل كل خبر في خدمة هدف محدد»، «الحقيقة هي أكبر عدو للدولة»، «حق مطلق للدولة أن تشرف على تشكيل الرأي العام»، «يجب أن تسهل البروباغندا انزياح العدوان، من خلال تحديد أهداف لتوجيه الكراهية نحوه». وتشير إلى أن «سي آي إيه» بقيت لعقود طويلة في طليعة لعبة الدعاية الموجهة عبر الجواسيس والعملاء.
حملات شرسة
تؤكد الكاتبة أن حملات التشويه الإعلامية قوية إلى درجة أن العديد من المستهدفين لا يمكنهم إنقاذ أنفسهم أمامها، قائلة: «كيف يمكن لشخص ما من دون سلطة، ومن دون صوت، أو شركة إعلامية أن يبدأ بمواجهة عضلات آلة دعائية، خلال هجمة إعلامية مرتبطة بشكل وثيق مع رجال في الحكومة والشركات النافذة؟ الضحايا عادة ما يعبرون عن يأسهم وخيبة أملهم. تخيل أنك تحاول أن تركز على عملك وعائلتك، في حين أن فناني حملات التشويه المحترفين يعملون على مدار الساعة لتشويه سمعتك، وجعل مصداقيتك موضع الشك. إنهم يتقنون التقنيات المستخدمة في هذا الحقل. ويبقون الضغط مستمراً، لا بل يقومون بعزلك عن مديريك وعملائك وزملائك والرأي العام. يعزلونك عن نظام الدعم الذي تتلقاه في العادة. في النهاية، يبدأ أفراد عائلتك وأصدقاؤك بالتعجب منك. إلى درجة تشعر أنك أصبحت على مسافة بعيدة ممن تعتبرهم أقرب الناس إليك».
تجد الكاتبة فيما تطرحه عبر عملها أن العالم يرى اليوم الأمور عبر نظارات ضبابية، تكون الرؤية فيها مشوشة، وهي وفقاً لخبرتها وجهدها البحثي تسعى إلى إزالة الغشاوة أمام أعين المشاهدين والقراء، وتجعل العدسات نظيفة، كي تظهر الأشياء في حجمها الحقيقي واضحة تماماً.
جدير بالذكر أن الكتاب صادر حديثاً عن دار «هاربر» في 304 صفحات من القطع المتوسط، ويأتي بعد المقدمة في عشرة أقسام هي: 1) ولادة حملات التشويه الحديثة. 2) حدود حملة التشويه لدى الإعلامي ديفيد بروك. 3) المجمع الصناعي- التشويهي: تجّار حملات التشويه ومروّجو الفضائح. 4) الإعلام مهم (لكن المال مهم أكثر). 5) سياسة الإنكار: واقع مزيّف. 6) صحافة عابرة للحدود: تجارة معلومات السوق السوداء. 7) مرشح ضد حملات التشويه (والمعارضة غير المخلصة). 8) الطريق إلى المؤتمرات. 9)الانتخابات العامة. 10) عالم جديد شجاع من الأخبار الكاذبة (وجهود حثيثة لفرض الرقابة عليها). خاتمة: حملات التشويه تتجه إلى العالمية.
نبذة عن المؤلفة
شاريل أتكسون إعلامية أمريكية بارزة حاصلة على جائزة إيمي الأمريكية خمس مرات، ونالت جائزة إدوارد مورو على تقاريرها الاستقصائية. حقق كتابها «ستونيوالد» أعلى المبيعات على قائمة «نيويورك تايمز» الأمريكية. أتكسون تقدم برنامجاً تلفزيونياً يركز على القضايا البارزة في السياسة الدولية عبر التقارير والتحقيقات الاستقصائية باسم «فول ميشر»، ويعرض على عدد من القنوات. عملت لمدة ثلاثين عاماً مراسلة ومذيعة في عدد من القنوات الأمريكية البارزة.