حملة أمريكية ضد كوبا

مانويل ييبي*
أثارت الولايات المتحدة أزمة مع كوبا عندما اتهمت سلطات هذا البلد بشن «هجمات صوتية» ضد دبلوماسيين أمريكيين في هافانا مما تسبب لبعضهم بمشاكل سمعية، وحتى فقدان السمع. ولكن يتبين الآن أن هذه المسألة هي في الأساس مناورة أمريكية تستهدف ضرب السياحة في كوبا في إطار الحصار الأمريكي المفروض على هذه الجزيرة منذ عقود.
أحد أكبر المغريات في كوبا بالنسبة للسياح الأجانب هو الضمانات الأمنية التي توفرها سلطات الجزيرة للزوار من أي مكان من العالم. وهناك إغراء آخر هو المستوى المتقدم للنظام الصحي الحكومي في كوبا، وهو نظام يقارن بالأنظمة الصحية في أكثر بلدان العالم تقدماً.
وهناك إغراء إضافي للسياح، هو أن الطبيعة أنعمت على كوبا بجمال طبيعي وسواحل رائعة. علاوة على ذلك، أشاعت الثورة الكوبية منذ 1959 أجواء سلام وألفة يثمّنها الزوار منذ اللحظة الأولى لوصولهم إلى كوبا.
وقد عجز الحصار الاقتصادي الأمريكي وحملات تشويه سمعة كوبا عن التعتيم على الإنجازات الكبيرة للنظام الكوبي، ولو أنها أثرت في التطور الاقتصادي لهذه الجزيرة.
والآن، يندد بعض الإعلاميين المستقلين في الأمريكيتين وأنحاء أخرى من العالم بالأهداف المشبوهة للحملة الأمريكية الجديدة ضد كوبا بشأن «الهجمات الصوتية» المزعومة.
وحسب مسؤولين ووسائل إعلام أمريكيين، فإن هذه «الهجمات الصوتية» تسببت بمشكلات سمعية لدبلوماسيين أمريكيين كانوا يعملون في كوبا، حتى إن بضعة منهم فقدوا حاسة السمع.
وبموجب الحصار الأمريكي على كوبا، يحظر على الأمريكيين القيام بزيارات سياحية إلى الجزيرة – ولو أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما خففت هذا الحظر إلى حد ما. ولكن الحصار الأمريكي لم يمنع طلاباً أمريكيين من متابعة دراساتهم في كوبا. وقد استغل الإعلام الأمريكي قصة «الهجمات الصوتية» ليقول إن أمريكيين ألغوا أو يعتزمون إلغاء رحلاتهم إلى كوبا.
وساهمت في حملة التشويه هذه وسائل إعلام المنفيين الكوبيين في ميامي، الذين فرّوا من كوبا ولجأوا إلى أمريكا في السنين التي أعقبت ثورة 1959، حيث اتهمت الحكومة الكوبية بأنها المسؤولة عن «الهجمات الصوتية». وتقارير وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأمريكية هذه تخدم هدف الحكومة الأمريكية الذي اتضح في 29 سبتمبر/ أيلول. ففي ذلك اليوم، نسبت التقارير الإعلامية إلى مسؤولين أمريكيين قولهم «لا نعرف مصدر الهجمات الصوتية»، ولكنهم نصحوا الأمريكيين بعدم السفر إلى كوبا.
وردت وسائل الإعلام الكوبية ووسائل إعلام أوروبية متعاطفة مع كوبا بالقول «إن صدور هذه الاتهامات ( الأمريكية ) عن حكومة بلد يُقتل فيه 30 ألف شخص سنوياً بأسلحة نارية، وأكثر من 1000 بنيران الشرطة، ويسجل فيه 31 % من جميع حوادث القتل الجماعي في العالم، لهو أمر يثير الريبة بشأن أهداف الاتهامات الأمريكية».
كما أن الحزب الجمهوري الأمريكي، الذي يحظى بدعم الناخبين الأمريكيين الكوبيين في ميامي، استغل فرصة «الهجمات السمعية» المزعومة ليصعّد هجماته على كوبا ونظامها، ولمحاولة ثني الأمريكيين عن زيارة كوبا – الأمر الذي سيحرم الاقتصاد الكوبي من أموال الزوار الأمريكيين.
وفي إطار هذه الحملة الأمريكية، دعت وسائل إعلام الكونجرس الأمريكي إلى أن يطالب كوبا ب «إعادة تقييم الأمن في مطاراتها الدولية». وهذا تدخل مكشوف يهدف إلى تقليل عدد الزوار الأمريكيين إلى كوبا، وحتى إلى إلغاء الرحلات الجوية الأمريكية المنتظمة التي سمحت بها إدارة الرئيس أوباما.
غير أن جمعية «ريسبكت»، وهي أكبر جمعية أمريكية تشجع سفر الأمريكيين إلى كوبا، رفضت «التحذير الأمني» الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، وأكدت أن كوبا هي «مقصد آمن».
إن كل المؤشرات تدل على أن الهدف من هذه الحملة الأمريكية ضد كوبا هو إثارة الخوف بين أولئك الذين يمكن أن يزوروا الجزيرة. كما أن الضجة التي أثارتها الولايات المتحدة حول «الهجمات الصوتية» ليست سوى عنصر آخر في الحصار على كوبا – وهو الحصار الذي أدانه المجتمع الدولي للسنة ال 26 على التوالي، وذلك من خلال التصويت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني بشبه إجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة الحصار الأمريكي المفروض على كوبا.
*دبلوماسي كوبي سابق وحالياً بروفسورفي المعهد العالي للعلاقات الدولية في كوبا – موقع «كاونتر بانش»