قضايا ودراسات

حملة رايات الخير

د. عبدالله السويجي
أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المنصة الوطنية للتطوع يوم الخميس الماضي، وبادرا ليكونا أول متطوعين، حيث سجل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد اسمه في مجال صناعة الأمل، وسجل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد اسمه في العمل الإنساني، ودعوا شباب الإمارات للتطوع في 14 مجالًا مجتمعياً وإنسانياً للوصول إلى 200 ألف متطوع مع نهاية العام 2017. وتتمثل أهداف المنصة التي طورتها مؤسسة الإمارات بالتعاون مع وزارة تنمية المجتمع في نشر وترسيخ مفهوم المسؤولية المجتمعية وإيجاد منظومة متكاملة ومستدامة للعمل التطوعي، وإعلاء قيمة التطوع كأحد أهم ركائز التماسك والتلاحم المجتمعي.
ماذا تعني هذه المبادرة الإنسانية الوطنية الخيرية العظيمة؟
إنها تعني في المقام الأول وجود أشخاص يفكرون ويبتكرون ويطورون، ووجود مؤسسات وطنية تتعاون فيما بينها لتقديم مبادرات تدعم مبادرات القيادة، وهذا يعني أن محاور مبادرة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، بدأت تعطي ثمارها من حيث الاستجابة والتحفيز والابتكار والتطوير، ما يشير إلى صدق تفاعل الأفراد والمؤسسات بشكل جوهري مع مبادرات الخير، ويدل على قناعة تترسخ يوماً بعد يوم بأهمية العطاء والتآزر المجتمعي.
إنها تعني أن القيادة عاهدت نفسها والحكومة والشعب على أن تكون أول المنضمين إلى عمل الخير، فتسجيل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اسميهما الكريمين ليكونا أول المتطوعين له دلالات عميقة تعكس منهج القيادة التي ارتأت أن تكون في الصف الأول من المتطوعين، ولا شك أن الأيام القادمة ستشهد الإعلان عن الأفعال، فسموهما عوّدانا على تحويل المواقف إلى أفعال، وهذا ديدن القيادة التي لا تفصل نفسها عن الشعب لأنها ترى أنها جزء من الشعب في العمل الوطني والإنساني، ويجب أن تكون في مقدمته كمثل أعلى وقدوة.
إن توقيت إطلاق مبادرة المنصة التطوعية الوطنية في شهر الخير لعام الخير منسجم تماماً مع روحانية شهر رمضان الكريم، حيث الأفئدة تهفو إلى تعظيم القيم وترجمتها لنيل رضا الله، الذي يشكل أعظم مخرجات العمل الإنساني والوطني.
إن فتح باب التطوع للشعب في 14 مجالاً لتشمل التعليم والصحة والثقافة والفنون والبيئة ورعاية كبار السن وصناعة الأمل والترفيه وخدمة المجتمع والتطوع الدولي، يشكل إعطاء الضوء الأخضر للانطلاق نحو ترجمة المسؤولية المجتمعية في أبهى تجلياتها، وكلنا أمل في رؤية الشباب والشابات يملؤون مراكز رعاية كبار السن، ليمنحوا الآباء والأمهات العاطفة والتقدير والاحترام، ويشعروهم بالعرفان والامتنان لما قدموه في حياتهم. إن زيارة هذه الفئة من المجتمع تشعر الطرفين بالسعادة، وتنقّي القلوب، وتزيد من مساحات الرحمة في النفوس، وجعل الزيارات منتظمة تخلق الألفة والمحبة، فمصادقة رجل كبير في السن وزيارته وتقديم الهدايا له في المناسبات ستعود على المتطوع ذاته بتجربة إنسانية قلّ نظيرها، فحياتهم مليئة بالقصص والعبر والحكم التي يفتقدها الجيل الحالي.
وما أجمل أن نرى شبابنا وشاباتنا يقومون بحملات بيئية على شواطئنا الجميلة وحدائقنا المزهرة ينظفون ويرتبون ويرشدون ويظهرون حبهم للمرتادين واحترامهم للبيئة والطبيعة، ويقدمون صورة راقية للمواطن تنفض عنه غبار الصورة التي ترسخت لدى كثيرين بأنه إنسان مدلل وخامل وغير متفاعل مع بيئته.
وما أجمل أن أرى شباب وشابات وطني وهم يعودون المرضى في المستشفيات يحملون لهم الزهور ويسألونهم عن صحتهم وأوضاعهم المعيشية والصحية ويقدمون العون لهم، دون تمييز بين شخص وآخر، بين جنسية وأخرى، بين دين وآخر، فالعمل الإنساني يكون لوجه الله والإنسانية، وهذا العمل يحمل في طياته صناعة الأمل للمريض وأسرته والمحتاج والفقير.
وما أروع من التطوع في تنظيم المحاضرات والأمسيات والمؤتمرات الثقافية والأدبية والفنية والرياضية والمشاركة في إظهار أي نشاط في أبهى صورة.
وما أجمل أن نرى شبابنا وشاباتنا يتطوعون خارج الدولة في المناطق التي تشهد الكوارث الطبيعية أو تلك التي تعاني آثار الحروب، أو الذهاب للمشاركة في حملة تطعيم أو بناء بيت أو حفر بئر يستفيد منه الناس.
شبابنا وشاباتنا يقومون بذلك، وأعرف أفراداً من الجنسين يقومون بزيارة مراكز رعاية كبار السن والمستشفيات خاصة مرضى الأمراض المزمنة ويزورون المدن الإنسانية ومراكز أصحاب الهمم العالية، وهناك من نجد على الشاطئ وفي الحديقة يقوم بعمل حضاري ورائع، لكننا في حاجة ماسة إلى زيادة رقعة التطوع حتى تتحول إلى ظاهرة ناصعة تميز مجتمعنا وتجعله رائداً في محيطه.
إننا نضم أصواتنا إلى أصوات رعاة منصة التطوع وندعو شباب وشابات الإمارات والمقيمين أن يترجموا قناعاتهم ومبادئهم في كل مكان يرون أنه في حاجة للدعم وعمل الخير والإنسانية، لا أن يكتفوا بإرسال «بوسترات» وصور عن المبادرة، نريدهم أن يكونوا من حملة رايات الرحمة والإنسانية والمسؤولية المجتمعية، وليبدأ كل واحد بنفسه ثم بأسرته ثم بمجتمعه، وليبدأ ببيته وحديقته ثم ينطلق إلى البيئة. وكل عام وأنتم بخير.

suwaiji@emirates.net.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى