حوارات الحافلة
يوسف أبولوز
طيلة المسافة من منطقة «بورت مايو» بالقرب من الشانزليزيه في باريس.. وحتى «بورن دي فرساي» منطقة المعارض «إكسبو» لا تتوقف الحوارات بين الضيوف في أثناء نقلهم بالحافلة من فندق «لوميريديان» إلى إكسبو، وأسمّي هذه الحوارات «حوارات الحافلة» أو «حوارات الباص» في الطريق إلى جناح الشارقة في معرض باريس للكتاب، وصباح أمس، كان «شكسبير» حاضراً في حافلتنا السوداء المدفأة جيداً.
يسأل أحد الكتاب من الركاب المتحاورين.. ماذا يعني اسم «الازميرالدا» المرأة الغجرية بطلة رواية «أحدب نوتردام» للكاتب الفرنسي «فيكتور هيجو» فيجيب كاتب يجلس في المقعد الأخير: إنها «الزمردة» ومن نافذة الباص يبدو نهر السين زمردي اللون، وسماء باريس ملبدة بغيوم رمادية، والشجر رمادي أيضاً.
ما أجمل هذه الروح الشعرية الجماعية العائلية بين الكتب التي تلغي الحدود بين البلدان المرسومة على الخريطة بخطوط الطول وخطوط العرض.. وما أجمل أن تلتقي أصدقاء قدامى تواروا منذ وقت طويل في الظل حتى ظننا أنهم فقدوا أصواتهم ولكن ها هم يعودون إلى الشعر والقصة على منصة جناح الشارقة في المعرض.
منذ سنوات طويلة لم يقرأ سالم بوجمهور في أمسية، ولكننا نسمعه هنا في باريس. شاعر متدفق ذو إلقاء باذخ، ويبني قصيدته على أحدب نوتردام، ويسميه «ملك الحمقى» وفي مكان آخر يستعير من ليوناردو دافنشي شيئاً من صورة «الموناليزا» وفي مكان آخر أيضاً يتدحرج سالم بوجمهور باللون الأزرق.. مستعيراً من الرسم طاقة لونية في شعره.
لم يقرأ ظاعن شاهين منذ سنوات طويلة أيضاً، ولكنه يزهر شعراً شعبياً «زهيريات» في باريس. شعر تلقائي خارج من القلب وذاهب إلى القلب. شعر زهيري صافٍ صفاء قطرة ماء معلقة في غصن شجرة.
أما الهنوف محمد فتكشف عن شعرية صوفية دافئة بخفة دم وأناقة في اللغة.
جناح الشارقة في المعرض أكثر من جناح بالنسبة لنا نحن أعضاء الوفد المشارك من إماراتيين وعرب مقيمين في الإمارات.. إنه أصبح خلال أيام بيت عائلة، أصبح ركن الإلفة والمحبة والصداقة. بيت الكتب والموسيقى والناس في ذروة أشواقهم الإنسانية.
نصوص قرئت وأفكار جرى تداولها ومناقشتها بفكر منفتح وعميق، قارئ أو مستمع فرنسي مشدود إلى إيقاع اللغة العربية والموسيقى والكتاب.. كل ذلك هو البناء الوجداني والنفسي في هذه التظاهرة الحضارية التي عرّفت بلداً عريقاً مثل فرنسا بالثقافة العربية.. ثقافة الشعر والنثر.. والأدب الرفيع.
yabolouz@gmail.comOriginal Article