حوارية المركبة والمصابيح
عبد اللطيف الزبيدي
قال القلم، أكثرية وسائط الإعلام العربية، إعلام موجّه، فهل تعتقد أن ذلك يخدم الأنظمة؟ قلت إن السياسة تحتاج إلى ترويج، ولو أخذنا المسألة كفكرة مجرّدة، ونظرنا إلى السياسة كبضاعة، فإنها تتطلب، قطعاً، دعاية وإعلاناً. ثم، كيف كان الإعلام لدى الخصمين في الحرب الباردة؟ وسائط الطرفين كانت موجّهة.
قال أستطيع أن أعزّز رأيك بألف دليل من التاريخ، بل من قبل أن يولد إعلام عصرنا، لكن ما أريد طرحه هو: هل يخدم الإعلام الموجّه أنظمته ولا يضيرها بأنه لا يرى غير الكمال والمطلق؟ كيف يستطيع من لا رأي له أن يكون مفيداً لنظام بلده وشعبه ووطنه؟ سأبسّط لك الصورة، بالرغم من أن العقود الأخيرة أرتنا العجائب من الأنظمة التي انهارت، ولم يكن إعلامها قد لعب أي دور إيجابيّ في تسليط الأضواء على الحفر والمطبّات.
ما الفرق بينه وبين من يريدون بالبلدان السوء؟ الأنظمة السياسية تقود مركبات عملاقة فيها شعوب، الإعلام هو المصابيح الكشافة، وطريق الحياة ليس دائماً معبّداً في سهول واضحة إلى الأفق. ثمّة منحدرات وعرة يجب تجنّبها، منعرجات صخرية تستدعي الحيطة والحذر، وحول ومستنقعات تتطلب تحاشيها. واجب الإعلام الجيد أن يوجّه الكشافات نحو الطريق، لا أن يسلطها على المركبة.
قلت المسألة ليست بهذا التلخيص المخلّ. أنت تتوقع تطبيق قمة مكاسب الديمقراطية، في تلك الأنظمة التي قضت عشرات السنين في الاستبداد، لم تخط خطوة واحدة على طريق التنمية، إلى أن انهارت وجرّت الخراب إلى شعوب ديست من الداخل والخارج، وانتهى بها المطاف إلى الشتات في أصقاع الأرض. أنت واهم إذا تصوّرت أن العقل العربيّ يمكن أن يتقبل النقد بسهولة. النقد عنده أحلى من العسل، إذا كان موجهاً إلى الغير، وإلّا فهو العلقم والسم الزعاف. أتذكر ذلك الرئيس الذي كان يطلق الرصاص على الوزير، أو الحزبيّ الكبير، إذا خانه التعبير. ماذا يبقى للإعلام من دور أمام التربية الرصاصية؟
قال كل ما حدث للعالم العربيّ من نتائج سلبية، مردّه إلى أن الأبواب العالية لم تدرك أن نشر الوعي القائم على اقتناع ذاتيّ، وإدراك تلقائيّ، هو أعظم دعامة للأنظمة السياسية. أخطر الأخطار هو الشعوب المكبوتة، والإعلام الذي لا يعكس آراء الرأي العام، ولا يعرف غير أن كل شيء على ما يرام. وعي الشعوب واعتدادها بأنظمتها هما جوهر الأمن القوميّ. في الشدائد يصبح الشعب كله جيشاً وراء قيادته.
لزوم ما يلزم: النتيجة الكهربائيّة: تعدّد المصابيح أفضل في الطرق الوعرة ليلاً.
abuzzabaed@gmail.com