حوارية المقارنة الكبرى
عبداللطيف الزبيدي
قال القلم: هل تحبّ المقارنات؟ قلت: وهل تعرف عاقلاً يكره المقايسات؟ قال: اتبعني إلى ما وراء هذا الوادي. كيف ترى نصيب الأمّة من التنمية الشاملة؟ قلت: بضع نقط بيضاء في صفحة سوداء. قال: إذا كانت الدول المتقدمة يطالب مفكروها بتغيير نظام التربية والتعليم جذرياً، لا بمحاولات التطوير، فكم هي النمرة التي تُعطاها المناهج العربية؟ قلت: اليوم جمعة وستر العيوب مطلوب مرغوب يا ولدي.
قال: مهلاً، إن أسئلتي مجرّد مقدمة تمهيداً للمقارنة الكبرى. لماذا فهم الناس الظاهر السطحيّ فقط من الأمر الإلهي «اقرأ»، ورأوا فيه تشجيعاً على القراءة لا غير، ولم يحوّلوه، في الأقل في العصر الحديث، إلى أمر بمحو الأمّيّة كلّيّاً؟ لماذا لم يتهموا النظام الذي يتفاقم فيه عدد الأميين، بأنه يعمل على نشر أوبئة الجهل والتخلف، وأنه خارج عن طاعة «المادة الأولى» في الدستور السماوي؟ قلت: قبل التاريخ المعاصر، لم يكن مفهوم التنمية الشاملة قائماً حتى في الدول المتقدمة، فما بالك بتوهّم إمكان طرحه في العصرين الأموي والعباسي. في الثورة الفرنسية كانت العدالة الاجتماعية مطروحة، لكن النظريات التنموية لم تكن معروفة، حتى النمو الاقتصادي لم يكن كما هو مفهومه في القرن العشرين. أمّا تشعبات البحث العلميّ فقد كانت نجوم السماء أقرب. رويدك، فالعقل في تراثنا كتلة ممنوعة من التفكير. المشهد لم يختلف كثيراً.
قال: عدم وجود الشيء عملياً مساوٍ لمنعه فهو كالمحظور. تقدم المناهج، البحث العلميّ، الصناعة، الزراعة، الإنتاج اقتصادياً وفكرياً، كأنها ممنوعات. الفنون، الموسيقى بخاصة، بلا نصّ صريح اتهمت بأنها لهو ولعب، ما أدّى إلى ازدراء الذوق وإهمال روح الشعوب وطموحها. السؤال الطامّة الكبرى الآن هو: كيف يستقيم في الأفهام أن الناس يدركون حقيقة الإسلام، وأنهم على صراط مستقيم إيماناً وديناً وإدراكاً لجوهر أن الديانة السمحة دين حياة؟ ماذا يتبقى من الحياة إذا محونا من قائمة مقوماتها كل أسباب سعادة الإنسان ورفعة مكانته ودوره المشرّف في الحضارة والتاريخ؟
لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: الخطوة الأولى نحو الارتقاء، هي تحويل المخ إلى عقل، ليصبح الآدميّ إنساناً.
abuzzabaed@gmail.com