قضايا ودراسات

حوارية مسؤولية الهبوط

عبد اللطيف الزبيدي

قال القلم: لقد جاريتك وداريتك في عشرات الأعمدة، التي قلتَ فيها في هبوط الفن وضحالة الفنانين، ما لم يقله مالك في تلك التي لها في العربية ما بين سبعين ومئتي مرادف (علماء اللغة يجهلون العدد الصحيح). قلت: إذا كنتُ قد تماديتُ في ارتكاب الأخطاء بلا تصويب، فما أنا إلاّ «ترباية هالأمة»: «وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟» لكن، ما هذا التقريع الأهوج؟
قال: ألا ترى الخطب والعطب، والخطل والعطل، في مئات الملايين من العرب، الذين ينقاد ذوقهم العام لمن يخبطون خبط عشواء المحسوب على الفن؟ مئات الألوف من المثقفين أسلموا القياد لمن عاثوا في أرض الفن فساداً، وزادت الطين بلة وسائط الإعلام، التي صارت تحصر قيمة أداء الأدعياء في فستان من «الهوت كوتور»، وبنطلون جلديّ لمّاع، وقميص «دانتيل». أين أهل النُّهى والعقل الناقد والنظر الثاقب؟ كيف يصيب الاهتراء المقومات الأساسية، وينخر السوس الجذور والجذوع، يجعلها أعجاز نخل خاوية، وسيول الهبوط تجرف الناس جرفاً، وأضواء المسارح الخادعة تحرف أبصارهم حرفاً، وذوق الشعوب في سقوط حرّ وهم لا يشعرون؟
قلت: ما رأيك في أن مايكل جاكسون أشهر من بيتهوفن، وأغانيه أكثر مبيعاً من روائع الأصمّ الخالد، والراب، على هزاله من حيث القيمة الموسيقية، أوسع انتشاراً من كل الموسيقى السيمفونية؟ نحن في عصر السعر لا القيمة. الخربشات التشكيليّة تباع بالملايين. وسائل التواصل صار لها شعارير متشاعرون ومنتحلو أدب. أسواق الابتذال الذوقيّ تحصد مئات المليارات. الدعاية والإعلان والعلاقات العامة، غدت تحدّد مقاييس النقد والفكر وتوجه الرأي.
قال: أنت تتجاهل أن الفارق نجوميّ. الروك والبوب والراب، إلى جانبها هارفارد وبرينستون وغوغل وأكثر من سبعمئة قاعدة و«ناسا» وجذب لكل عقول الشعوب المتخلفة، وقدرة على شراء موارد العالم بأوراق لا يسندها ذهب. ثمّ إن تصدير الهبوط يمطرهم بأموال القارات. أمّا الفن العربيّ فقد هبط كغيره وليس إلى جانبه شيء تجد فيه العزاء والسلوان. الاقتصاد العربيّ غير قادر حتى على صنع الهمبرجر للشعوب. هل يستطيع العرب ترويج الفنون الهابطة في أمريكا وأوروبا، بل حتى في كوريا الشمالية؟ الأخيرة لها أنياب ومخالب. العولمة تفرض عليك استهلاك المضروس والملبوس والمحسوس، وكل فيروس وسوس، ودسٍّ مدسوس، وأنت بكل ما يفرضونه مهووس. قلت: دعنا من البخت المنحوس، وهاتِ الحل الملموس، الذي يشرح النفوس. قال: الخلاص في الخلوص، أن يقف المثقفون كالبنيان المرصوص، ويطرحوا القشور ويصقلوا الفصوص، ويضعوا قيماً تخضع لها الفنون والنصوص.
لزوم ما يلزم: النتيجة الصحية: كيف ترجو للجسم سلامة، وأنت تعهد بالمناعة إلى الفيروسات؟

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى