حواريّة مقدسيّة
عبد اللطيف الزبيدي
قال القلم: لقد اكتشفت وجهاً أطرف لمقولة أينشتين: «الجنون هو أن تكرّر الشيء نفسه، وتنتظر نتيجة مختلفة». روعتها هي في أن نقيضها صحيح أيضاً: «الجنون هو أن تكرّر الشيء نفسه، ولا تتوقع نتيجة مختلفة». قلت: ليس هذا بجديد، فمثلنا القديم سابق: «ما كل مرّة تسلم الجرّة». قال: الغاصبة استعذبت مسلسل تحطيم الماديّ والمعنويّ في العالم العربيّ، ولم يخطر بمُخيْخها أيّ احتمال آخر.
قلت: غافل من يتوهم أن الطاقة الروحيّة يمكن الاستهانة بها. القوة الماديّة لا تساوي شيئاً قياساً عليها. الغاصبون لا يدركون هذا. ألف متر مكعب من الماء تُجري نهراً، ولكن انصهار ذرّات الهيدروجين فيها، تنير قارّة أو أكثر. مَنْ في مقدوره فرض التلاعب إلى الأبد بمصاير أربعمئة مليون عربيّ، من قبل مشروع استعماريّ ظالم؟ تأمّل كيف أن الطاقة الروحية هي التي كانت على الدوام المستهدفة، يقولون: أمّة لا تقرأ، لا تنمية لها، لا حرية فكر ورأي وتعبير، وهات وهاك، في حين أن ما يرعبهم هو أن تكون متألقة بالإبداع والاختراع في جميع المجالات. يهجون العالم العربيّ بما لم يحققه، ولكنهم يسعون إلى تدميره لكيلا تقوم له قائمة.
قال: إن الإشكالية الحقيقية، هي فيروس داء الفردية الذي أصاب العقل العربيّ الجماعيّ، ظللنا طوال عشرات السنين ننقّب عن نقط الافتراق، ونمتّن الأواصر مع الأجنبيّ الذي يريد لنا التشتت، إلى حدّ سيطرته على منظومة العلاقات العربية البينيّة وتمزيقها، حتى لا تكون للعربيّ مصلحة في العربيّ. في آخر حلقات التدهور صار مطلوباً منّا التخلي عن الطاقة الروحية، أن نصبح روبوتات تتحرك بالريموت، تؤدي وظائف ولا قيم لها، ولا تربطها بالإنسان الآليّ المماثل أيّ صلة، لا عاطفة، لا لغة، لا مقدسات مشتركة، لا وحدة في الماضي ولا الحاضر.
قلت: أوهامهم كثيرة، أباطيلها ليست حتمية ولا سرمدية. لكن، هل تعرف أين أجد حروفاً بنطها 72 مليوناً؟ قال: هل جننت؟ سيكون بارتفاع مئات أضعاف الهيمالايا. قلت: حتى يراه النظام العربيّ ويدرك عظمة الوطن الكبير الذي لم يعرف قدره. ألا ترى أنه غير قادر على رؤية 400 مليون إنسان على رقعة 14 مليون كم مربع؟ هل يحتاج إلى وضع هذه النفوس وهذه المساحة تحت مجهر؟ أيّ مجهر نجوميّ هذا؟ ألا يخشى أن تصبح تحذيرات الإعلام عديمة الجدوى، فتصدح أم كلثوم: «قيثارتي ملئت بأنات الجوى.. لا بد للمكبوت من فيضان»؟ عندها يصبح العالم العربيّ كوكباً شرقياً. عندها تصبح القدس شمس المشارق والمغارب.
لزوم ما يلزم: النتيجة السقراطية: اعرف شعوبك بشعوبك، أيها النظام العربي.
abuzzabaed@gmail.com