حياة المؤلف.. وليس موته..
يوسف أبولوز
إلى وقت قريب كان كتاب عرب «يشبعون» من الكتابة عن المفكر الفرنسي «رولان بارت» خصوصاً في عمله: «موت المؤلف»، والبعض ذهب إلى أن الموت الذي يقصده بارت هو الموت الجسدي أو العضوي، والبعض «ركّب» على فكر صاحب «الكتابة في درجة الصفر» أفكاراً جديدة من بنات دماغه.. كما يقولون، وظل رولان بارت هو رولان بارت.. اللاعب الفكري الفلسفي التأملي في حقل ثقافي غربي.
يلعب كتاب عرب في غير ملاعبهم مستفيدين أولاً من الترجمة.. النعمة اللغوية الأرضية والسماوية معاً بالنسبة إليهم، فالكثيرون لا يعرفون الفرنسية ولا الإنجليزية وهما اللغتان الأكثر تداولاً في الترجمة، غير أن النقل من لغة إلى لغة لا يعني معرفة فكر وثقافة اللغة أو اللغات المتجولة في العالم عبر اللغة، واللغة فعلاً مسافرة أبدية وجوالة ورحالة من بلد إلى بلد، ومن حضارة إلى حضارة، ومن ثقافة إلى ثقافة.. ومركبة كل هذا التجوال هي الترجمة.
تتجول اللغات وتهاجر أيضاً.. ومعها تتجول وتهاجر الثقافات، لكن المفاهيم والثوابت والمصطلحات تأخذ شكلاً أكثر بطئاً في التحول والتجوال، مثل بطء فكرة موت المؤلف عند رولان بارت.
غاستون باشلار شبع منه الكثير من العرب هو الآخر فور أن نقل كتابه «جماليات المكان» الروائي الأردني غالب هلسا إلى العربية، وبعد قراءة هذا الكتاب الذي ظل عذباً ومتوهجاً في الترجمة، رغم أن غالب هلسا نقله إلى العربية من الفرنسية عبر لغة وسيطة هي الإنجليزية، تهافت الشعراء على البحث عن جماليات الأمكنة التي نبه إليها باشلار.. بل تهافت الرسامون على هذه الجماليات التي تحولت في الفن التشكيلي عند البعض إلى نوافذ وأبواب وعتبات وشرفات.
بقيت فكرة واحدة هنا.. وهي أن موت المؤلف يعني أنه غير موجود على الإطلاق في الكتاب الذي يؤلفه بعدما يفرغ من الكتابة، ويصبح المؤلف خارج الكتاب تماماً، أي أنه ميت أو غير موجود.
رغم ذلك، «رولان بارت» موجود في كتبه، وباشلار -جرس التنبيه- للجماليات لم يمت في مؤلفاته، ونجيب محفوظ موجود في رواياته، ومحمود درويش لم يمت لا في الشعر ولا في الحياة.. هو الذي قال «على هذه الأرض ما يستحق الحياة..».
يستحق الكاتب الحياة، ولو في أقصى درجات الحياة.. كأن يكتب وهو حيّ بكل ما تحمله هذه الكلمة من المعاني اليومية الإنسانية المباشرة.. بعيداً عن الفلسفة والعقل الجامد.. والتأويل.
حياة المؤلف وليس موته..
y.abulouz@gmail.com