قضايا ودراسات

حيرة فلسطينية بلا أجوبة مدروسة

حافظ البرغوثي

بدت الأيام الأخيرة أكثر هدوءاً على الحدود في غزة، ونجح الوفد المصري الأمني في تهدئة الوضع في اتصالات ماراثونية مع حركة حماس والاحتلال، لكن على صعيد المصالحة الفلسطينية، فإن الوضع بقي جامداً دون تغيير بين الجانبين. المصريون بذلوا جهوداً كبيرة لوقف عدوان محتمل على غزة، تضمن تهديدات جدية بالعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد قادة حماس، ما يعني انفجار الوضع مجدداً بشكل لا يمكن التكهن به، إلا أن الجانبين لم تكن لديهما الرغبة في التصعيد، ولجأت حماس إلى التهدئة على السياج الحدودي، وتقلص عدد المتظاهرين بالمقارنة مع أيام الجمعة الماضية، وكأنها تنظم مسيرة للقاء الاحتلال، ومحاورته بطريقة أو بأخرى، حيث كف بعض الناطقين عن استخدام تعبير العدو الصهيوني إلى تعبير الجانب «الإسرائيلي»، فالهدف الأساس لدى حماس حالياً التهدئة فقط، وليس هناك من جديد سوى العودة إلى اتفاقات التهدئة السابقة، إذ إن كل ما نشر عن ترتيبات جديدة ورفع حصار شامل وميناء ومطار خارجيين تلاشى فجأة، ولم يبق في الأفق سوى الوقود القطري والمنحة القطرية التي ستنقل خلال أيام لدفع رواتب موظفي حركة حماس بمعرفة الاحتلال. وكانت حماس أبلغت الوفد الأمني المصري أنها تطالب بأن تتكفل السلطة الفلسطينية بدفع رواتب عشرين ألف موظف مدني، إضافة إلى عشرين ألف عسكري، مقابل السماح لحكومة الوفاق بممارسة صلاحياتها في غزة، باستثناءات معينة، وأن السلاح لدى حماس وغيرها لن يظهر في الشارع، وأن موظفي حكومتها سيبقون في أماكنهم، وهوما ترفضه السلطة الفلسطينية، وقالت للوفد المصري إن الإجابة ستكون من المجلس المركزي الفلسطيني المزمع عقده قريباً. وتخشى مصر أن يتخذ المجلس إجراءات تمس الميزانيات التشغيلية للوزارات الخدماتية كالصحة والتربية والتعليم والجامعات التي تتولاها السلطة، من هنا فإن الوفد المصري يمهد لزيارة اللواء عباس كامل الذي سيصل قريباً لحسم مسألتي التهدئة والمصالحة. هناك تقديرات أن المجلس المركزي سيتخذ إجراءات عقابية ضد حماس، باعتبار غزة إقليماً خارجاً عن الشرعية، ما يعني توجيه ضربة قاصمة للوضع المتردي اقتصادياً في غزة، ولن تستطيع المنحة القطرية تعويضه، لأن المساعدات القطرية موجهة لحركة حماس، ومحاولة للجم بعض قادة حماس الذين يرون في مصر شريكة، ما يتعارض مع المفاهيم لدى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث مازال التنظيم لا ينظر بعين الرضا إلى العلاقات مع مصر، ويعتبرها تكتيكية ومرحلية فقط.
الوضع داخل حركة حماس تنتابه وجهات نظر مختلفة، وهو الوضع نفسه في منظمة التحرير، حيث انصرفت عنها الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وهناك في فتح من يطالب باستعادة هاتين الجبهتين إلى المنظمة، لأنهما لعبتا دوراً مفصلياً في تاريخ منظمة التحرير. لكن ما الذي يمكن للمجلس المركزي أن يقرره بشأن تحديد العلاقة مع حماس أو تحديد العلاقة مع الاحتلال؟ هل يستطيع اتخاذ إجراءات عقابية ضد حماس أم ينتظر زيارة اللواء عباس كامل؟! هناك من يقول إن الأمر مرتبط بموقف حماس من المصالحة وتنفيذها، فإن عاندت فإن النية تتجه إلى وقف التمويل للوزارات في غزة تدريجياً. وهو الوضع نفسه مع الاحتلال، حيث إنه لا توجد رؤية واضحة لكيفية التعاطي مع العناد «الإسرائيلي»، فوقف التنسيق بكل أشكاله يعني عملياً حل السلطة القائمة، لأن كل مناحي الحياة في الضفة مرتبطة بالاحتلال اقتصادياً وصحياً وتنقلاً، والوضع الاقتصادي مقيد باتفاق باريس الذي لا يسمح بأية تجارة حرة أو إقامة اقتصاد منفصل، وهو أكبر عقبة حالياً تواجه الحياة الفلسطينية. ثم إن الإعلان عن نهاية اتفاق أوسلو يعني ضمنياً إنهاء وجود السلطة، بعد أن راكمت مكاسب سياسية دولية واعترافات بها، وهذا يتيح للاحتلال التخلص من تبعات اتفاق أوسلو الذي سمح لأكثر من 400 ألف فلسطيني بالعودة من الخارج، وهؤلاء سيكونون مهددين بالإبعاد. ورغم أن المجلس المركزي يتحدث عن قطع العلاقة أو تحديدها مع الاحتلال، فإنه لم يضع أجوبة موضوعية وعملية بشأن ذلك، فالتنسيق مع الاحتلال يحتاج إلى رؤية أوسع، لأنه لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يمس كل مناحي الحياة في الأراضي الفلسطينية. والأسهل أنه طالما هناك من يدعو للتدرج في تحديد العلاقة مع حماس ومدى تجاوبها مع المصالحة، يمكن التدرج في تحديد العلاقة مع الاحتلال بخفض التنسيق الأمني طبقاً لسلوكه على الأرض، وبدون ذلك لا يمكن تحرير الاقتصاد الفلسطيني من قبضة الاحتلال، ولا يمكن لجم ممارساته.

hafezbargo@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى