خصخصة الأمن «الإسرائيلي»
تأليف: شير هيفر
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
شهدت الفترة من 1994 إلى 2014 تغيّراً في الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، وأصبحت من أكثر النماذج تطرفاً للأمن المخصخص في العالم. يقدم هذا الكتاب لمحة شاملة عن هذه التغيرات الحاصلة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي ساعدت على الخصخصة الأمنية لدى الأجهزة الأمنية للعدوان «الإسرائيلي»؛ ولأجل فهم هذا التغيير الجذري في السياسة الأمنية، يتطرّق صاحب الكتاب شير هيفر إلى تأثير الأزمة المستمرة للمقاومة الفلسطينية على الاحتلال «الإسرائيلي»، ونتائج المساعدات العسكرية الأمريكية لهذه الدويلة، وتأثير النيوليبرالية على الأجهزة «الإسرائيلية».
يتألف الكتاب من سبعة أقسام هي: 1) المقدمة. 2) الإطار النظري. 3) التطورات في المؤسسات العسكرية والأمنية «الإسرائيلية». 4) عمليات خصخصة الأمن في «إسرائيل». 5) الاستعانة بمصادر خارجية للاحتلال. 6) الأبعاد العالمية للخصخصة الأمنية في «إسرائيل». 7) استنتاجات. وينتهي بملحق تحت عنوان: نظرة عامة على خصخصة الأمن في «إسرائيل». الكتاب صادر عن دار «بلوتو برس» في 256 صفحة من القطع المتوسط باللغة الإنجليزية.
بحسب المقدمة، التي تعد القسم الأول من العمل تمضي قصة هذا الكتاب في مسارين هما: الأول مسار جغرافي يبدأ في «إسرائيل»، ويمضي نحو الخارج، من حدود «إسرائيل» قبل 1967، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وثم إلى علاقاتها العالمية. والثاني مسار يتحرك من دور المؤسسات العامة «الإسرائيلية» بشكل مستمر نحو الشركات الخاصة، ودورها في عملية خصخصة الأمن.
يشكل القسم الثاني الهيكل التحليلي للبحث، يناقش فيه المؤلف التقدم في حقل خصخصة الأمن في العالم، وكذلك السياسات الأمنية «الإسرائيلية»، والعسكرة، والاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتفرع إلى فصلين: في الأول منه يناقش الدعائم النظرية الثلاث للكتاب وهي: نظرية التفاضل التراكمي، ومبدأ بورديو في الرأسمال الاجتماعي ومبدأ فرض الأمن الذي يحلل «ثقافة الأمن».
ويتوسّع الفصل الثاني في أنماط المصادر المستخدمة في هذه الدراسة، وفي المنهجية التي يستخدمها؛ لكي يحلل المصادر المتوفرة لديه. وفي هذا الفصل يطور نمطاً من التصنيف بغاية تصنيف خصخصة الأمن في «إسرائيل»، وكيف أن هذا التصنيف ينطبق على اثنتي عشرة دراسة مختارة لأجل هذا الكتاب.
مناقشة تاريخية
في القسم الثالث يقدّم الكاتب مناقشة تاريخية عن الجهاز الأمني والعسكري «الإسرائيلي»، الذي كان الأمن فيه محتكراً بقوة من المؤسسات الرسمية، كما يناقش فيه أهمية القطاعين الأمني-العسكري بالنسبة للهياكل السياسية والاقتصادية في «إسرائيل»، وأيضاً الطريقة التي حطمت فيها السياسات النيوليبرالية هذه الأهمية على مر السنين، مسببة انخفاضاً في تخصيص المصادر العامة التفاضلية بالنسبة للأمن، وانخفاضاً في التجنيد الإلزامي للجيش «الإسرائيلي». ويعلق على ذلك بقوله: «تشكل هذه التطورات أزمة مستمرة للنخب الأمنية في «إسرائيل»، وبالتالي إعادة تأطير الأمن كتكنولوجيا هي آلية للتعامل مع هذه الأزمة، ومرحلة نحو خصخصة الأمن.
يتعامل القسم الرابع من العمل مع السلوكيات الفعلية لخصخصة الأمن، ويستطلع فيه ثلاثة أشكال من خصخصة الأمن في «إسرائيل» وهي:
* أولاً: المبيعات (بشكل رئيسي في صناعة الأسلحة).
* ثانياً: الاستعانة بمصادر خارجية (كما هي الحال في المسائل الاستشارية).
* ثالثاً: الخصخصة بشكل افتراضي (من خلال تشجيع الأفراد على المشاركة في إنتاج الأمن).
كما يناقش شير هيفر في هذا القسم محاولتين فاشلتين بشأن خصخصة الأمن (بشكل خاص المحاولة الفاشلة الأولى لتأسيس سجن خاص). ويتطرق كذلك إلى كيفية توسع سياسة خصخصة الأمن وتوليها الزمام في المؤسسات «الإسرائيلية» العامة؛ على الرغم من الحواجز الأولية للخصخصة الموصوفة في القسم الثالث. ويختمه الكاتب بجدول زمني مفصل لخصخصة الأمن في «إسرائيل».
ويقدّم في القسم الخامس الانقسام بين المركز والمحيط، الذي تبناه كبار صنّاع السياسة من «الإسرائيليين» كآلية استرشادية لأجل خصخصة الأمن في «إسرائيل»، مركزاً على فشله في نقاشه ضمن الكتاب. ويناقش في القسم السادس من العمل خصخصة الأمن «الإسرائيلي» من وجهة نظر عالمية، مركزاً فيه على مساعدات الجيش الأمريكي ل«إسرائيل» ومناقشة الدور الذي تلعبه الصادرات الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» في إعادة تعريف الدور الاقتصادي للمقاولين الأمنيين والعسكريين الخاصين في الاقتصاد «الإسرائيلي» وفي السياسة الخارجية ل«إسرائيل»، قائلاً: «فالزبائن الرئيسيون للخدمات والمنتجات الأمنية «الإسرائيلية» لديهم أسبابهم للشراء من هذه الشركات «الإسرائيلية». وتتجلى هذه الأسباب في اعتبارات خاصة بصنّاع السياسة «الإسرائيليين» عند صياغة السياسات الأمنية».
المركز ضد المحيط
في الاستنتاجات الأخيرة من العمل، يشير الكاتب إلى أن النخب الأمنية والسياسية «الإسرائيلية» قد تبنت خطاب «المركز ضد المحيط»، مشرعنة خصخصة الأمن فقط في القضايا المحيطية أو التي تدور في هامشها.
ويوضح شير هيفر أنه على العموم «الأزمة لدى النخبة «الإسرائيلية» قادت إلى تبني استراتيجية التجاهل المتعمد، التي عرّفت بشكل خاطئ احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه مهمة هامشية ليست في الجوهر بالنسبة للمؤسسات الأمنية «الإسرائيلية»، وبذلك يسمح لممارسات الخصخصة في العمليات الأمنية ل«إسرائيل» بالتقدم مع مقاومة مؤسساتية في أدنى حالاتها».
وفي هذا السياق يقول: «لم يتم دفع الخصخصة نحو الأمام بتأثير الأيديولوجيا النيوليبرالية فقط؛ بل أيضاً بفعل التحول الحاصل في المجتمع«الإسرائيلي»، أي ترسّخ الفردانية، التي خففت التحفيز للانضمام إلى الجيش، إضافة إلى التغيرات في طبيعة النزاعات المسلحة: نهاية الحرب الباردة والتغيرات السياسية في الشرق الأوسط التي خففت الجيوش التقليدية الكبيرة، وزادت من اعتماد وزارة الحرب «الإسرائيلية» «على الخبراء الأمنيين المتخصصين».
ويضيف: «في تلك الأثناء، أصبحت المساعدات العسكرية الأمريكية تطبّق كأداة ضغط على صناعة الأسلحة «الإسرائيلية» لمطابقتها لتوزيع العمالة بين الولايات المتحدة وصناعات الأسلحة «الإسرائيلية». وتوجّب على «إسرائيل» أن تتخلى عن تطلعات الكفاية الذاتية في إنتاج السلاح، وإنهاء كافة أشكال التطوير في الأسلحة التي يمكن أن تنافس شركات الأسلحة الأمريكية، وتركز على المنتجات التكميلية للأسلحة الأمريكية. ترافقت هذه العملية بتبني ثقافة عمل في شركات الأسلحة «الإسرائيلية» التي اكتسبت هرميّات وتراكيب المؤسسات الخاصة في حين أن بعض خطوط إنتاجها كانت تباع للمستثمرين في القطاع الخاص».
يشير الكاتب في الختام إلى أن إنتاج الأمن أداة أساسية لسياسة حكومية «إسرائيلية»، والقطاع الخاص قد توسع في الجانب الأمني إلى مستويات تقترب من تلك الموجودة في المملكة المتحدة. وهذه الأسباب مقسمة إلى ثلاث مجموعات في رأيه، وهي:
تخصيص الموارد العامة
سبّب انخفاض تخصيص المواد التبايني للأمن والضغط الداخلي الكبير لتخفيض الإنفاق العام، أزمة على صعيد النخب الأمنية في «إسرائيل»؛ إذ قيّد المسار المهني الجديد لدى النخبة السياسية العديد من الضباط المتقاعدين في الجيش والشرطة، ودفعوهم نحو القطاع الخاص. وجرّد الانخفاض الحاد في خدمة التجنيد الإجباري النخبة الأمنية من تأثيرها المباشر على تعليم الشبان «الإسرائيليين» أثناء خدمتهم العسكرية.
شجعت النيوليبرالية الحكومة «الإسرائيلية» على الارتباط مع الشركات الأمنية الخاصة المملوءة بالموظفين السابقين في القطاع العام، بدلاً من العمل عبر دوائر المؤسسات الرسمية القائمة.
وتحولت ميزانية الحكومة بشكل متزايد إلى تمويل العقود المبرمة مع الشركات الخاصة، وهي خطوة اعتبرها المفكرون الليبراليون إجراء لتخفيض التكاليف. وهذا شجع مبيعات أقسام من صناعة الأسلحة «الإسرائيلية»، والاستعانة بمصادر أمنية خارجية في الفضاءات العامة للشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وانسحاب الدولة من تقديم خدمات أمنية معينة للعامة، بالتالي هذا بدوره شجع الأفراد على إنتاج أو شراء الأمن لأنفسهم عبر الخصخصة بشكل افتراضي.
مسؤولية تطبيق القوة
إن الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية المحتلة غيّر المؤسسات الأمنية «الإسرائيلية»، لكنه كان تحوّلاً غير مرحّب به على العموم. فقد استمر أعضاء النخبة الأمنية في اعتبار الحروب التقليدية نشاطاً «جوهرياً» للمؤسسات الأمنية «الإسرائيلية»، بغض النظر عن التوزيع الفعلي للجهود. والإبقاء على الاحتلال، إلى جانب العمليات مثل المسائل اللوجستية والتدريب، كان مخصصاً لدور «ثانوي»، وتمت شرعنة الخصخصة عبر الاستعانة بمصادر خارجية. على الرغم من أن هذا النقاش لا يزال يعد جدلياً في القطاع الأكاديمي «الإسرائيلي»، إلا أن الخصخصة الأكبر للأمن كانت أساس السلطة الفلسطينية في توقع العمليات الأمنية في أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان الجزء الآخر من هذا التحول هو الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا كآلية حفظ العمالة، إضافة إلى ميل نحو معالجة التحديات الاجتماعية والسياسية مع أدوات تكنولوجية تم شراؤها من القطاع الخاص عبر مصادر خارجية.
محاكاة الولايات المتحدة
أصبحت هذه التطورات قيد التطبيق فقط حينما أصبحت ملموسة في سياق دولي. فقد وسّعت الأيديولوجيّة النيوليبرالية تأثيرها في «إسرائيل» عبر اقتصاديين مدربين في الولايات المتحدة، لكن المساعدة العسكرية الأمريكية إلى «إسرائيل» قد خلقت محفّزات مادية قوية للحكومة «الإسرائيلية» وشركات الأسلحة «الإسرائيلية» لتبني ثقافة أكثر شبهاً بالأعمال في إنتاج الأسلحة وبشكل تدرجي لمحاكاة النموذج الأمريكي لصناعة أسلحة مملوكة من القطاع الخاص.
ويقول الكاتب في هذا السياق: «المديرون في شركات الأسلحة المملوكة من الدولة تبنوا الأيديولوجية النيوليبرالية ودعوا إلى الخصخصة. أساساً، تم تأسيس صناعة الأسلحة «الإسرائيلية» لتلبية الاحتياجات المحلية للمؤسسات الأمنية «الإسرائيلية»، واعتبرت صادرات الأسلحة صمام ضغط لأجل الصناعة، وكمصدر لأجل التمويل الإضافي. ومع اشتداد الأزمة لدى النخبة «الإسرائيلية» الأمنية، أصبحت صادرات الأسلحة مهمة على نحو أكثر لأجل صناعة الأسلحة «الإسرائيلية». وأصبح مصدّرو الأسلحة «الإسرائيلية» أكثر اعتماداً على العقود الخارجية مع الحكومة «الإسرائيلية» لأجل ترويج مبيعاتهم في الأسواق العالمية، وبالتالي يقومون بالضغط على الحكومة «الإسرائيلية»؛ للاستجابة للتطورات في تجارة الأسلحة العالمية، وفي السوق العالمي؛ لأجل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة. والحكومة بدورها استجابت من خلال استخدام التكنولوجيات المعروضة من الشركات الخاصة، وبذلك خلقت الفرص للشركات الخاصة؛ لأجل اختبار تكنولوجياتها في المعارك كجزء من العمليات الأمنية «الإسرائيلية»، ومن خلال السماح لوزارة الحرب «الإسرائيلية» الاضطلاع بدور مشابه للبنتاجون الأمريكي في دعم صناعة الأسلحة الخاصة».
ويضيف الكاتب في الختام: «أزمة النخب الأمنية «الإسرائيلية» لم تجد طريقاً للحل. والمقاومة الفلسطينية لممارسات وانتهاكات الاحتلال لم تنحسر؛ لكن المقاومة لخصخصة الأمن داخل «إسرائيل» تكافح لأجل معركة خاسرة. فكلما تقدمت الخصخصة، تحولت مسألة الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مسألة مال. عندما تجد السلطات «الإسرائيلية» نفسها غير راغبة أو قادرة على استثمار الموارد المطلوبة لإبقاء العقود المتعددة مع الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة وشركات الأسلحة في مكانها، لن تعود قادرة على تجنب القضايا السياسية. عندما تحين تلك اللحظة، ستنكشف الوظيفة الجوهرية للنخب الأمنية «الإسرائيلية» التي هي: احتلال وقمع الفلسطينيين. النتائج الأخلاقية والقانونية لهذا الكشف هي أن مثل هذه المجموعة النخبوية لن تعود في موقع يؤهلها لامتلاك زمام الأمور، وسيبقى واضحاً أي مجموعة سياسية ستصعد لتحل محلهم».
نبذة عن الكاتب
شير هيفر باحث اقتصادي في مركز المعلومات البديل، وهي منظمة فلسطينية – «إسرائيلية» ناشطة في القدس وبيت ساحور. يركّز هيفر في أبحاثه على الجانب الاقتصادي للاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية، وتشمل بعض موضوعاته البحثية المساعدات الدولية للفلسطينيين و«إسرائيل»، وآثار الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية على الاقتصاد «الإسرائيلي»، وحملات المقاطعة، وسحب الاستثمارات ضد «إسرائيل». ويشمل عمله أيضاً تقديم المحاضرات والعروض عن اقتصاد الاحتلال. وهو يعيش حالياً في ألمانيا. كتابه الأول بعنوان: «الاقتصاد السياسي للاحتلال «الإسرائيلي»: القمع ما وراء الاستغلال»، نشرته دار «بلوتو برس» في عام 2010، وعرضته «الخليج» على ثلاث حلقات في 2010.