خطوات تدريجية نحو «حل جذري»
خرج المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى سوريا بتصريحات تفيد أن الآلة تدور، رغم التقدم البطيء في جولة جنيف السابعة التي اختتمت يوم الجمعة. هذه الجولة شهدت بداية تطبيق لما يسميه المبعوث بالسلال، فحصل بحث في موضوع مكافحة الإرهاب وفي اجتماعات الخبراء القانونيين لرسم ملامح المرحلة المقبلة وآلياتها. ولم يتم بحث موضوع الانتقال السياسي. وكانت الخطة أن يتم بحث السلال بصورة أقرب إلى التزامن ما بينها، غير أن الذي حدث هو تقديم وتأخير أدى عملياً إلى إرجاء بحث موضوع الانتقال. وقد أبدى رغم ذلك تفاؤلاً حذراً حين قال: «ننتقل بخطوات تدريجية نحو وضع حل جذري للوضع في سوريا».
لم يتم حتى الآن اختراق في المفاوضات، غير أن اختراقاً تم خارج التفاوض بين كل من الولايات المتحدة وروسيا بخصوص وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وبمشاركة غير مباشرة من الأردن؛ كون المنطقة التي تم التفاهم عليها تقع على حدود الأردن الشمالية. وهذا التطور يدلل على أن الحلول لن تتقدم بغير تفاهم روسي -أميركي تنضم إليه أطراف أخرى لاحقاً مثل إيران وتركيا.
ومن اللافت أن دي ميستورا لم يشرْ إلى هذا التطور، ولكنه أشار إلى اجتماعات الآستانة؛ حيث اعتبرها مفيدة. علماً أن اتفاق جنوب سوريا تم أيضاً بعيداً عن اجتماعات العاصمة الكازاخستانية.
ومن التصريحات التي تسترعي الانتباه أن دي ميستورا تحدث عن موضوع حماية المدنيين، قائلاً إن مكافحة الإرهاب لا تسوغ استهداف المدنيين، وزاد على ذلك بأن من يستهدفون المدنيين ستطولهم المحاكمات. لقد تأخر الرجل طويلاً في إثارة هذه القضية. فأعداد الضحايا من المدنيين أضعاف أضعاف أعداد المقاتلين من طرفي النظام والمعارضة.
وكان حرياً بالمبعوث الأممي الربط بين استهداف المدنيين والإرهاب؛ إذ إن أبسط التعريفات وأكثرها جوهرية للإرهاب تقول إن الإرهاب هو استهداف المدنيين والمرافق المدنية؛ لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية. وهو ما ينطبق على الوضع في سوريا منذ ست سنوات، ما أدى لنزوح ملايين المدنيين إلى الخارج. ومع ذلك فقد أحسن الرجل صنعاً بهذه الالتفاتة الواضحة نحو المدنيين. كما أحسن بوضع موعد قريب نسبياً للجولة الجديدة في سبتمبر/ أيلول المقبل. رغم أنه بات واضحاً أن المفاوضات تسير في ثلاثة مسارات: أولها التفاوض الروسي- الأمريكي، وثانيها اجتماعات الآستانة، وثالثها مفاوضات جنيف. علاوة على مسار رابع في البادية السورية على الحدود مع العراق، وليس بعيداً عن الحدود مع الأردن. والمعارك هناك تدور لمنع «داعش» من التواصل بين مواضعه الباقية في سوريا والعراق. لكن هذا هو جزء من المشهد، فالصراع يدور حول من يبسط سيطرته على هذه المنطقة الحساسة مستقبلاً بين القوى الإقليمية والدولية.
والراجح في ضوء ذلك أن الحرب في سوريا في وجهتها الرئيسية بين النظام والمعارضة أخذت تقترب من نهايتها، من دون أن يكون هناك حل عاجل إنما حل على مراحل. فالطرفان الروسي والأمريكي يراعيان مصالح كل منهما، ولا يريدان حرباً بلا نهاية قد تؤدي إلى احتكاك عسكري بينهما. ونموذج جنوب سوريا قابل للتكرار. والمهم ومع وضع خطوط عريضة للحل، أن يصار إلى وضع مقاربات لمشكلات بالغة الصعوبة منها الوجود الإيراني المتعدد الأشكال والمظاهر والمواضع في هذا البلد المنكوب، ومنها التماس حلول للمشكلة الكردية، فآجلاً أو عاجلاً سوف تنشأ خلافات بين الأكراد والنظام، إضافة إلى التهديدات التركية لهؤلاء والوجود العسكري التركي في سوريا، علماً أن علاقة الحركة الكردية بالمعارضة على مختلف تلاوينها ليست جيدة باستثناء تيار أحمد الجربا الرئيس الأسبق للائتلاف. ولا بد أن تحضر الحركة الكردية إلى طاولة المفاوضات في نهاية المطاف. ومن هذه المشاكل أيضاً وجود جبهة النصرة (تحرير الشام) التي تتداخل مع قوى المعارضة أحياناً، وتنفصل عنها أحياناً أخرى.
هذه المشكلات مجتمعة مرشحة لأن تؤدي إلى صراعات جديدة وطاحنة، حتى لو تم التوصل إلى تفاهم ما بين النظام والمعارضة. ف«الحل الجذري» الذي تحدث عنه دي ميستورا، يجب أن يكون متعدد الجوانب، وتسهم فيه أطراف إقليمية مثل إيران والسعودية وتركيا والأردن، وبالطبع تحت مظلة تفاهم روسي- أمريكي، وغير بعيد عن التفاهم مع بقية الأطراف الدوليين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
والرهان على المبعوث الأممي الذي أصبح الأكثر اطلاعاً والأوفر خبرة، في الملف السوري مع أهمية تنامي الإدراك بين القوتين الدوليتين على وجوب رؤية نهاية قريبة للصراع، و الحاجة لأن يمارس كل منهما التأثير الحاسم في الأطراف المتشابكة. وسوى ذلك فإن الصراع الطاحن سوف يتوالى، ويأخذ في طريقه ما تبقى من سوريا، مع المزيد من التبديد للموارد البشرية والطبيعية.
محمود الريماوي
mdrimawi@yahoo.com