قضايا ودراسات

خلق الثقافة المجتمعية

حصة سيف
كل أعمال وتوجهات الأفراد والمؤسسات المعلن عنها، تدخل في تشكيل الثقافة المجتمعية، حتى الإعلانات المدمرة تدخل علينا لتشكل ثقافة استفزازية بشكل هستيري تشمئز منه الأنظار، فماذا يعني أن تعلن مكتبة تجارية عن حقيبة لها، وتمثل أن جميع من في المنزل يتأفف من المدرسة، ومن النهوض باكراً ومن الإجراءات النظامية التي تتخذها المدارس، من أجل أن توصل رسالة بأن الطالب فقط تسعده «الحقيبة»، أي فكر استهلاكي «مقرف» يرسم لأجيالنا تجاه المدارس؟
هذا الإعلان بالذات، يحتاج لرفض رسمي ويوقف بثه، على مستوى وزارات الثقافة العربية، كما تحتاج كل الدعايات إلى موافقة من الجهات المختصة في كل الدول، وخاصة العربية، فالإعلان لا ينحصر على دولة واحدة، بل يوجّه لجميع «العرب» بأجيالهم، وحينما نقارنه بإعلان «غربي»، للأسف نجد الفرق بين الرسالة الموجّهة، والفرق هنا شاسع كالفرق بين الثرى والثريا في طبيعة الفكر وغرس الرسائل الهادفة من خلال حتى إعلاناتهم، فمتى سنرتقي بإعلاناتنا ومتى ترتقي شركاتنا؟
كذلك ولي الأمر الذي ينشر مقاطع لأبنائه، وهم يسبّون المدرسة، ويتهكمون على مناهجها، على أنها رسالة فكاهية، بل هذه بالذات تدل على فجاجة فكره، وعدم مسؤوليته، وولي أمر آخر يهوّل ما احتوته الكتب، وولية أمر أخرى تشتكي وتتذمر لصعوبة الدروس. هذا لا ينفع البتة في تشكيل جيل يعتد به، كما كنا سابقًا وأكثر، نحتاج لكل فرد مسؤول عن تنشئة جيل القرن الواحد والعشرين، كل فرد يستشعر المسؤولية، ويتقمصها في أفعاله وتوجهاته، نحتاج لرص الصفوف ضد ما نحيكه لأنفسنا من ثقافة مجتمعية سلبية، فنحن من سيلبس كل ما نخيطه حالياً من توجّهات وأفكار، ولنتخيل أن الجيل الذي بين أيدينا نشكّله كيفما نشاء، يصبح جيلاً ليس كما نريد قويًا بعلمه ومعرفته وأخلاقه وقيمه، بل العكس تمامًا، وحينها لا ينفع الندم، بل سنحرث ما جنته رسائلنا تجاه تلك الأجيال التي وفر لها كل ما تحتاج إليه من خدمات، وحين نحتاج إليها فعلاً للخدمة، لا نجد من يقدّمها وفقًا لتلك الثقافة السلبية التي غرست فيها.
فلنقف وقفة واحدة تجاه كل من يحاول غرس السلبية وكره العلم والتعلم، ولنبادر بخلق ثقافة مجتمعية محبة للمعرفة توّاقة للعلم، كل على طريقته، وكل من موقعه، لا نحتاج إلى منصب أو حتى إلى جهة حكومية، بل نحتاج إلى استشعار بالمسؤولية والانطلاق من الأسس والقيم التي تربينا عليها.

hissasaif@yahoo.co

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى