دردشة فيزيائية في السياسة

عبد اللطيف الزبيدي
هل وقائع الحياة البشريّة خاضعة لقوانين الفيزياء الكونيّة؟ مبدئيّاً لا يستطيع الإنسان، فرداً كان أم قوة عظمى، أن يفعل شيئاً خارج فيزياء كوننا. ظاهرة تطور الحضارات في مراحل حياتها، ما ذكره ابن خلدون وتوسّع فيه أرنولد توينبي، ليس أكثر من ظهور بذرة تصبح شجرة ثم تثمر وفي نهاية المطاف تندثر. الكائنات الحيّة والأرض من الذرّة إلى المجرّة كلها على هذه الشاكلة.
نلقي نظرة على القوى العظمى الإمبراطورية، التي منها حضارات شامخة، ومنها مدنيّات عملاقة. الفرق هائل، الأولى شموس مشرقة، والأخيرة تشبه الثقوب السوداء، لا يستطيع حتى الضوء الإفلات منها. هذه أمثلة من الفيزياء السياسية في عالمنا. تبدو الولايات المتحدة نموذجاً استثنائياً إذا قيست على نشوء الحضارات: وادي الرافدين، المصريّة، الصينيّة، الهنديّة، اليونانيّة، الرومانية، الحضارة الإسلاميّة إلخ. اليونانيّة والرومانيّة صارتا اثنتين في واحدة أوروبية، هذه كلها لعبت أدواراً رائدة كمصابيح وهّاجة في دروب الإنسانيّة، مع سلبيّات.
لماذا تعدّ الولايات المتحدة استثنائية؟ الأسباب الموضوعية عدة، فهي الوحيدة التي لم تقم على فكرة أو قيم معنوية روحية. في زمن تاريخيّ قياسيّ صارت القوة الغربية العظمى الأولى. مركز الجاذبيّة كان سريع الضغط والاحتدام نحو المحور، إلى حد جذب كتل بشرية من جميع الأصقاع والبوصلة المادّة فقط. ذلك يشبه فقدان الإمبراطوريات الأوروبية (البريطانية والفرنسية بخاصة) مكانتها التوسعية العالمية الصلبة، لمصلحة رائدة القارّة الجديدة.الحضارة الأوروبية دامت في مجملها قروناً طويلة ذات مرتفعات ومنخفضات، تخللتها الحضارة العربية الإسلامية.
انتقال الهيمنة الدولية إلى الإمبراطورية الأمريكية، شبيه بالشمس (الأوروبية) التي تحولت إلى عملاق أحمر (رَدْ جاينت). لكن إذا صح قول الفيلسوف الفرنسيّ ميشيل أونفري: «إن الحضارة الغربية شارفت على النهاية»، ما يجعلنا نفكر بجدّ في الرغبة الأوروبية الواضحة في البحث عن فرص اقتصادية جيوسياسية أوراسية عبر توطيد الأواصر مع روسيا والصين، بعيداً عن واشنطن، فإن الولايات المتحدة تلوح مثل المستعر الأعظم (السوبرنوفا) ذات الطاقة الخيالية، إلاّ أن عمرها الافتراضيّ محدود نسبيّاً. ضمور المكانة المعنوية، وتليّف كبد الاحترام في عيون الشعوب، وتصلّب شرايين الدبلوماسية والسياسة الخارجية، وانهيار مناعة القيم الحضاريّة، تلك علامات الآية «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ». هذه صورة بليغة لما يحدث اليوم في الفيزياء الفلكية السياسية الدولية. في آفاق الشرق الأقصى وأوراسيا نجوم اقتصادية جيوسياسية تطلع، فأين شمس العرب؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: لا تبحث عن الفضيلة عند من يصف البلدان بالفضلات.
abuzzabaed@gmail.com