مقالات عامة

دردشة في فلسفة السؤال

عبد اللطيف الزبيدي

هل السؤال محرك تنمويّ؟ هل المجتمعات البشرية التي لا تستجيب لوخز الأسئلة، تظل رهينة محبس التخلف فلا تحقق تنمية في المجالات المادية والمعنوية المتاحة لها؟ لا شك في أن جذور جميع ميادين العلوم والمعارف، في كل منظومات تخصصاتها، علة نشأتها أسئلة حصرها التحرير الإعلاميّ في عناصر الخبر: كيف، لماذا، أين، متى ومَن. من دون الأسئلة تصبح التنمية مثل أغنية فاضل عوّاد: «لا خبر، لا كفيّة، لا حامض حلو، لا شربت»، بتعبير النحاة تمسي «في خبر كان»، ولم يكن ولن يكون.
السؤال، من هذه الزاوية، هو أعظم اختراع مطلقاً أبدعه العقل البشريّ ونمّاه وطوّره. كلمة اختراع قد لا تكون في محلها، بل قد تكون علميّاً ضرباً من المغالطة. الحياة هي التي جعلت السؤال ضرورة حيويّة في طبيعة المخلوقات جميعها، كامنة في الحمض النوويّ والموّرثات. نرى السؤال في حركة أذني الحيوان، عندما يسمع صوتاً، غريباً بخاصّة: ماذا، مَن، ما، أين، لماذا؟ بناء على الاحتمالات، وبعد الرجوع إلى مخزون الذاكرة، يأتي ردّ الفعل، هجوماً أو هروباً أو حذراً أو لا مبالاة إلخ.
تطوّرُ الدماغ البشريّ، وامتيازاته على أمخاخ عالم الحيوان غير العاقل، هو الذي ارتقى بالسؤال الموروث في السلوكيات الغريزيّة، إلى تشكيل آليات العقل الناقد.صار السؤال أداة تنمويّة منذ القديم: كيف أنقل هذه الصخرة الضخمة؟ أقطع جذوع الأشجار، أطرحها متوازية، أضع الجلمود عليها وأدحرجها، ها أنا اخترعت العجلة.بعد عشرات القرون غدت الصخرة طائرة عملاقة تُقلع وتهبط على عجلات. تلك هي تنمية الأسئلة وتحويل السؤال إلى محرّك يولّد الطاقة الابتكارية، التي تضع بدورها أسئلة أخرى لمعالجة أخطاء الإنجاز السابق أو لتحسين الأداء. هذه هي آلية التطوير.
الآن، ما هي سخريات المأزق المألوف لدى الشعوب التي تقع رهينة محابس انعدام التنمية؟ قضية بسيطة تراجيكوميديّة: هي لا تعرف كيف تتخطى عتبة الأسئلة، لوجود هوّة هاوية بين السؤال وجوابه. أدمغتها ممنوعة من البحث عن الأجوبة، ما يجعل البحث العلميّ من المحظورات المحرّمات.الأسئلة تحتاج إلى حريّة وإمكانات، لأنها بحث عن أجوبة واستجابات، وهذه تستدعي ضوابط وقوانين لحمايتها ورعاية نموّها بالاستثمار في مشروعات بحوثها، بينما الاستبداد قمع للنموّ والتنمية، يصبح هو القانون الذي يحدّد الحدود بالحديد، في حين أن البحث هو أبو العلوم، تستوي في ذلك المجالات كافّة، لا فرق بين السياسة والاقتصاد والحقوق والفكر. بإيجاز: من دون أسئلة، لا بحث، ومن غير بحث، لا نموّ ولا تنمية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإبداعية: عظمة العقل البشريّ، هي أنه أبدع من السؤال تنمية العلوم والمعارف.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى