قضايا ودراسات

درس من تنزانيا

الرفض الحازم الذي أبداه الرئيس التنزاني جون ماغوفولي لدعوات بعض مؤيديه لمد فترة حكمه لما بعد الولايتين الرئاسيتين المنصوص عليهما في الدستور، بدا مخالفاً لماهو سائد في القارة من تشبث بالسلطة وانتهاك لقدسية الدساتير والعبث بها، وأكد أن ماغوفولي قائد من طراز مختلف من القادة الأفارقة.
ورغم الجدل الكثيف حول أوضاع الحريات في تنزانيا في عهده، إلا أن السمة المميزة لحكمه، هي الحرب الشعواء التي يقودها ضد الفساد منذ توليه السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول 2015.
وظل ماغوفولي الذي ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بحملات مكافحة الفساد حتى لقبه أنصاره «بالبلدوزر»، فيما أطلقت عليه الأوساط الإعلامية لقب«قاهر الفساد»، يردد أن شعاره في محاربة الفساد، هو المثل السواحيلي «إذا أردت تنظيف الدرج فعليك أن تبدأ من الأعلى»، وأقال عدة مسؤولين بارزين، بينهم رئيس مكافحة الفساد ومدير مصلحة الضرائب، ومسؤول بارز في هيئة السكك الحديد ورئيس هيئة الموانئ البحرية.
وفي إبريل/ نيسان الماضي أحال عشرة آلاف موظف حكومي إلى الصالح العام بعد اكتشاف عمليات تزوير في شهاداتهم العلمية، وكان هؤلاء الموظفون يكبدون الدولة خسائر سنوية تقدر بحوالي 107 ملايين دولار، ولم يقف عند هذا الحد بل أمر بفضحهم ونشر أسمائهم على الملأ ليكونوا عظة وعبرة لكل من تسول له نفسه الإقدام على التزوير.
ماغوفولي ألغى الكثير من مظاهر الترف في الاحتفالات الحكومية، واستعاض عن الاحتفال بأعياد الاستقلال بحملة نظافة في العاصمة دار السلام شارك هو بنفسه فيها وحمل مكنسة لتنظيف الشوارع المحيطة بالقصر الرئاسي، ووفر للدولة مئة ألف دولار، أمر بتوظيفها في شراء أسرّة لأكبر مستشفى في البلاد، حيث اكتشف بعد زيارة مفاجئة له أن المرضى يفترشون الأرض، كما ألغى أيضا سفر الوفود للمشاركات الخارجية إلا بإذن منه شخصياً.
إن استراتيجية الرئيس ماغوفولي في القضاء على الفساد، والتي تقوم على اجتثاثه من جذوره وعدم التسامح مع المفسدين مهما كانت مواقعهم، وجدت التقدير والثناء ليس على مستوى تنزانيا، بل على مستوى القارة كلها والمنظمات الدولية، وبفضلها تمكن الاقتصاد التنزاني من النهوض بعد وقف الهدر في الميزانيات التي كانت تذهب إلى الجيوب، وأصبحت تنزانيا من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
لقد أدرك ماغوفولي أن التغييرات الرهيبة التي شهدها العالم مع بداية الألفية الثالثة، أحدثت تغييراً كبيراً في وعي الشعوب في المطالبة بحقوقها وبالنزاهة والشفافية في الحكم، وأن المدخل الصحيح للتنمية والاستقرار، يكمن في الالتزام بالدستور، واحترام حقوق الإنسان، والتبادل السلمي للسلطة، وأن التشبث بالسلطة أورد شعوباً كثيرة موارد الهلاك، وكتب نهايات مأساوية لحكام لفظتهم شعوبهم، وشيعتهم باللعنات.

فتح العليم الفكي
alzahraapress@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى