قضايا ودراسات

دماء في كفر قاسم

دماء الشهيد محمد طه التي تناثرت أمام مركز الشرطة الصهيوني في كفر قاسم داخل المناطق المحتلة عام 1948، أيقظت لدى الفلسطينيين حقيقة استهدافهم الأزلي كعدو يجب الخلاص منه بكل الوسائل، مشروعة أو غير مشروعة، وفقاً للأيدولوجيا الصهيونية، التي كشفت أيضاً حتى عن حجم التمييز في القتل عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
أكذوبة التعايش السلمي في ظل كيان عنصري تتسيده ثقافة الضحية والجلاد، تتناقض جذرياً مع صورة الكيان الوردية التي يحاول تسويقها في العالم عن «المساواة»، و«القانون»، وعن كونه «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» سعياً وراء اجتذاب تأييد وتعاطف العالم الغربي، ومن خلال ذلك استجلاب المزيد من المهاجرين إلى «حصن الحضارة في وجه الهمجية»، كما دأبوا دائماً على ترويجه.
لا يحتاج الشرطي الصهيوني إلى أي مبررات لقتل العرب الفلسطينيين، يكفي أن يخرج كلمتين سحريتين بأنه «كان مهدداً» ليطلق نيرانه على أي فلسطيني في عملية إعدام بدم بارد، من دون أن يتحمل عواقب أي مساءلة قانونية، أو قضائية، أو حتى الطعن في صحة روايته، تجسيداً للمقولة الصهيونية «العربي الجيد هو العربي الميت». ولكن الأمر مختلف في الوسط اليهودي، حيث لا يحمل الشرطي أي سلاح في مواجهة أية احتجاجات «إسرائيلية»، مهما كان حجمها، وحتى لو تم الاعتداء من قبل المحتجين على عناصر الشرطة.
ما حدث في كفر قاسم غير معزول عن نظام «الإبارتهيد» العنصري الذي يشمل كل فلسطين من النهر إلى البحر، لكن خصوصية المناطق المحتلة عام 48 التي يفترض أن تكون جزءاً من «واحة الديمقراطية» المزعومة، يضعها قيد المتابعة، وهو ما يوضح أن ما حدث ليل الثلاثاء الماضي عندما اقتحمت وحدات صهيونية خاصة مدينة كفر قاسم بذريعة اعتقال عبد السميع طه رئيس مجموعة الحراسة الليلة (شبان فلسطينيون يحرسون المدينة لضبط الأمن ومنع الجرائم) بتهمة ارتكاب مخالفة سير، وهذه لا تحتاج إلى قوات خاصة لاقتحام مدينة بأكملها، ليس معزولاً عن عمليات قتل، وإرهاب، وترويع سلطات الكيان بحق فلسطينيي 48، التي بلغت 48 شهيداً منذ عام 2000، وهي أيضاً جزء من السياسية القهرية المفروضة على فلسطينيي 48 بإبقاء الانفلات الأمني الذي ذهب ضحيته ستة فلسطينيين في كفر قاسم، ونحو 30 في الوسط العربي منذ بداية العام الحالي. شيع أهالي كفر قاسم شهيدهم، لكن أجواء السخط والغضب لا تزال تشتعل في صدور أبناء المدينة، الذين لم ينسوا مجزرة 1956، لكي تتناقل الأجيال كل هذه المجازر البشعة جيلاً بعد جيل.
يونس السيد
younis898@yahoo.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى