قضايا ودراسات

دور الصين في مواجهة المجاعات

ستيلا ليو
يمكن أن يُعزى اندلاع المجاعات التي لم يسبق لها مثيل، في وقت مبكر من هذا العام، في إفريقيا والشرق الأوسط، إلى الصراع، باعتباره السبب الجذري. فهل تستطيع الصين التدخل للتخفيف من حدة هذه الكارثة، من خلال مبادرة الحزام والطريق؟
اندلعت المجاعة في جنوب السودان في مارس 2017. وفي الوقت نفسه تقريباً، أعلنت الأمم المتحدة أن نيجيريا، والصومال واليمن أيضاً، توشك أن يضربها جفاف طويل، يعرّض نحو 20 مليوناً لخطر المجاعة. ووصفت الأمم المتحدة ذلك بأنه أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل، وناشدت المجتمع الدولي التبرع بمبلغ 4.4 مليار دولار، بدون نجاح كبير.
والصراع، وهو السبب الجذري لهذه المجاعات، يحتاج إلى حلٍّ. وانخراط الصين المتزايد في الشرق الأوسط وإفريقيا يعطيها الحافز والقدرة على القيام بصورة فعالة بتدخلاتِ أمنٍ غذائي على المدَيَيْن القصير والطويل، من شأنها أن تمكّن من بناء السلام والنموّ الاقتصادي.
وهذه المجاعات ليس لها سابقة في الحاجة التي خلقتها، وفي حجمها. ووفقاً لما ذكره المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة، كستاس ستاموليس، فإن الأمم المتحدة لم تشهد من قبل أبداً أربعة تهديدات بالمجاعة في عدة دول في وقت واحد. وذكر ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، للشؤون الإنسانية، أن هذه أكبر أزمة إنسانية منذ إنشاء المنظمة الدولية.
ومع مساهمة الدول بملايين الدولارات من المساعدات والقروض لإفريقيا والشرق الأوسط، يبدو خطر المجاعة متناقضاً مع تلك المساهمات. ولكن الصراعات في هذه البلدان عرقلت النموّ الاقتصادي، وفاقمت انعدام الأمن الغذائي بتشريد المزارعين، وإبعادهم عن وسيلة عيشهم.
والصين، وهي مساهم فعال في تقديم المعونات، ومستثمر في الشرق الأوسط وإفريقيا، مهيّأة للاستفادة أكثر من غيرها، إذا تمكنت الدول من كسر الروابط بين انعدام الأمن الغذائي، والصراع والفقر. وبالنظر إلى نفور الصين من التدخل العسكري، فإن تدخلات الأمن الغذائي من خلال الجهود الإنسانية، أكثر انسجاماً مع مبادئ سياستها الخارجية، ومن شأن تلك التدخلات، أن تكون أدوات للتأثير، تستطيع الصين استخدامها على المَدَيَيْن القصير والطويل للمساعدة في بناء السلام والتنمية الاقتصادية.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت نيجيريا، وجنوب السودان واليمن، مواقع استراتيجية لخطط الصين الجيواستراتيجية طويلة الأمد. وعلى سبيل المثال، تقع اليمن في طريق مبادرة الحزام والطريق الصينية. ويمرّ طريق الحرير الجديد عبر مضيق باب المندب، الذي تسيطر عليه اليمن، نحو البحر الأحمر.
وتعتبَر نيجيريا، بيت القصيد في استراتيجية الصين الإجمالية في إفريقيا، ويتجلى ذلك من خلال حجم الاستثمار الذي قامت به الصين في هذا البلد. ففي وقت سابق من هذا العام زار وزير الخارجية الصيني، وانج يي نظيره النيجيري جفري أونييما، وذكر أن الصين سوف تستثمر 40 مليار دولار في الاقتصاد النيجيري، بتركيز على البنية التحتية للطاقة والنقل.
وممّا يؤسَف له أن الحروب أعاقت قدرة الدول على الانفلات من الفقر والتحرك نحو تنمية اقتصادية سلمية. وإذا لم تُحَلَّ الصراعات بصورة مباشرة، فسوف تكون مبادرات الصين واستثماراتها عرضة للخطر. وقد خلص تقرير التنمية العالمية الصادر عن البنك الدولي عام 2011، إلى أن القيود التي تكبِّل التنمية، ليست فخ الفقر، بل هي فخ العنف. وعلى المدى القصير، أوصى تقرير التنمية العالمية، باستعادة ثقة الشعوب بالحكومات باعتبار ذلك خطوة أساسية حاسمة. والمعونة الغذائية، إذا أُحسِنتْ إدارتها، يمكن أن تلعب دوراً مهمّاً في ذلك. وفي حين أن المعونة الغذائية تعرضت للانتقاد لأنها تطيل أمدَ الصراع، فإن دور الصين، بصفتها مستثمراً محورياً، يمكن أن يساعد في معالجة المحرّك الرئيسي للصراع المتعلق بالمعونة: وهو اختلاس الغذاء من قِبل الأقوياء.
تدخلات الأمن الغذائي على المَدَيَيْن القصير والطويل، تساعد مبادرات الصين واستثماراتها الاستراتيجية على أن تؤتي أكلها. ودور الصين المتزايد، كمستثمر ومساهم في المعونة إلى إفريقيا والشرق الأوسط، يمنحها نفوذاً وحافزاً خاصّين لضمان إجراء التدخلات بشكل سليم. ومع بقاء بقية المجتمع الدولي صامتاً، يمكن أن تكون الصين الأمل الأخير لهذه الدول.

* باحثة مشاركة في برنامج فولبرايت الأمريكي، زائرة في مركز الدراسات الأمنية في جامعة نانيانج التكنولوجية ـ سنغافورة.
ـ موقع «يوراسيا ريفيو»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى