دولة مع وقف التنفيذ
خيري منصور
احتفظت الدولة العبرية بتراث ما يسمى الحركة أو المنظمة السرية، وجعلت منه احتياطياً في كل تفاوض، وهذا ما اعترف به ذات يوم الجنرال باراك في حوار أجري معه في صحيفة «جيروزاليم بوست»؛ حيث قال إن حكومته لم تعترف بكيان فلسطيني بالمعنى السياسي والدولي الدقيق؛ بل بمنظمة التحرير فقط.
وبالفعل التقط أحد الباحثين في الشأن الفلسطيني هذه الإشارة، وكتب أن «تل أبيب» تحتل مقعدين في كل المفاوضات مقابل مقعد فلسطيني واحد. وأضاف، إن الفارق كبير بين من يتفاوض وهو يجلس في غرفة دافئة ومن يشاركه هذا التفاوض وراء النافذة تحت سماء ممطرة، وفي جو شديد البرودة.
ورغم ندرة المجازات في عالم السياسية إلا أن هناك صراعات في التاريخ أتاحت ذلك سواء لمؤرخين أو راصدين لمثل هذه الصراعات التي غالباً ما توصف بأنها وجودية وليست حدودية.
أما أطرف ما قيل في هذا السياق فهو أن هناك صيغة سياسية تقع ما بين الدولة والحركة، وهي أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي بقليل، لكن هذه الصيغة بقيت عائمة ولم تجد بعد المصطلح الدقيق الذي يعبر عن مجمل حيثياتها ودلالاتها، وما أطلق عليه في أدبيات هذا الصراع حل الدولتين أصبح عنواناً أشبه بالمظلة، تدرج تحته مقاربات سياسية بالغة المرونة؛ بحيث أصبحنا بعد عدة ألفيات من نشوء الدول والامبراطوريات في التاريخ بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الدولة، وهذا بالفعل ما قاله يوري أفنيري الذي كان يرأس تحرير صحيفة «هاعولام هازيه» اليسارية، عندما اقترح على «تل أبيب» إصدار معجم عبري يعرف مصطلحات من طراز الديمقراطية والاحتلال والاستيطان، وأخيراً الدولة؛ لأن هذا المعجم ينفرد بين كل المعاجم السياسية في العالم بتعريفات خاصة تم نحتها وتفعيلها على قياس الدولة العبرية فقط!
ولم يحدث من قبل أن عثر العالم على حل لصراع مزمن، لكنه بقي ممنوعاً من الصرف، وغير قابل للترجمة ميدانياً!
إن اعتراف الدولة العبرية بالاستحقاق الفلسطيني تاريخياً وحضارياً وإنسانياً للدولة بتعريفها الدقيق أصبح شبيهاً بأحجية إبريق الزيت في الحكاية الشعبية العربية المعروفة!Original Article