ديوان الشعر الفرنسي
يوسف أبولوز
نَحِّ الأمريكيين: والت ويتمان وعزرا باوند جانباً، وتجاوز شكسبير أو ضعه في منطقة شعرية مسرحية وحده.. وانظر لكل هذا التراث الأدبي بالإنجليزية لهؤلاء الثلاثة وغيرهم، وقارنه بالتراث الشعري الفرنسي المنقول إلى العربية بترجمات مهنية، تلاحظ أن العرب نفسياً، أقرب إلى الشعر الفرنسي، بل، ثمة روح أدبية إبداعية مشتركة بين الشعرين.
من أوائل من عرفنا بالشعر الفرنسي وبلياقة ترجمانية عالية الشاعر اللبناني بول شاؤول في أوائل ثمانينات القرن الماضي، وأضاء على هذا الشعر بمقدمة وافية، واختار نصوصاً لعدد كبير من الشعراء اقترب فيها إلى ما هو إنساني جمالي حياتي، وبذلك، وبهذه المختارات كان شاؤول أميناً، أولاً، لروحه الشعرية هو، كأنه ليس مجرد مترجم، وإنما يدفعنا إلى التذوق.. تذوقه هو باختياراته وهبوطه الهادئ الناعم إلى قيعان الشعر وشعاعاته البطيئة الهادئة.
سوف يستفيد شعراء الثمانينات من ترجمة بول شاؤول للشعر الفرنسي في الثمانينات مع ملاحظة البيئة الشعرية العربية التي ظهرت فيها تلك الترجمة، فقد كانت قصيدة التفعيلة في أعالي الكتابة الحرة.. اليومية، والإنسانية، وقد تخلصت من كلاسيكية بدر شاكر السيّاب وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وعبدالوهاب البياتي في أول مجموعاته، وحتى محمود درويش أيضاً في مجموعاته الأولى، وهؤلاء وغيرهم من صف شعراء التفعيلة صحيح أنهم كسروا عمود الخليل بن أحمد الفراهيدي، ولكنهم لم يكسروا شكله المهيمن، وأقصد الإيقاع والقافية «الرتيبة» التي لم تتخلص من رتابة بعض الشعر العمودي رغم أنها ليست عموداً..
عرفت، أيضاً، قصيدة النثر طريقها إلى الشعر آنذاك، وأصبح لها مكان في الصفحات والمجلات الثقافية، وسوف يقرأ شعراء قصيدة النثر العرب الشعر العالمي المترجم أكثر من قراءاتهم لديوان العرب الذي عرف التجديد الشعري من زاوية ما هو جمالي، فلسفي، إنساني، وحتى وجودي على يد شعراء من مثل: «أبونواس»، البحتري، «أبوتمام»، المعري وغيرهم، ممن كانوا «حداثيين» قبل ظهور مصطلح الحداثة.
في هذا المناخ الثقافي الشعري العربي المتحول والعاشق لكل ما يتصل بالكتابة الجديدة، أي في الثمانينات، ظهرت ترجمات الشعر الفرنسي أكثر مما ظهرت، أو، أثرت ترجمات الشعر المكتوب باللغة الإنجليزية، وحتى إذا أردنا قراءة شعر من ثقافات وحضارات آسيوية وإفريقية وأوروبية، نقرأه بالعربية عبر لغة وسيطة أو ثالثة هي الإنجليزية.
اكتب لك ذلك والثقافة الفرنسية في بال مئات الكتّاب العرب فكراً وفنوناً، ورواية وشعراً ومسرحاً، ولغة شعرية طرية مرنة في مثل طراوة ومرونة اللغة العربية التي أنجبت ديوان العرب.
الفرنسيون أيضاً عندهم ديوانهم، كما لكل الشعوب دواوينها من آرثر رامبو إلى اندريه بريتون إلى فيكتور هوغو إلى بودلير، إلى جاك بريفير، إلى جان كوكتو إلى مالارميه، وإلى إيف بونفوا، والقائمة طويلة وإلى جوارها قائمة نسائية: آنا غريكا، جوسلين فرنسوا، بريجيت فونتين، وغيرهن من شاعرات.
ديوان الشعر الفرنسي استقطب أيضاً عرباً يكتبون بالفرنسية: البير قصيري، اندريه شديد، جورج شحادة، وغيرهم ممن أثروا هذا الديوان بالسحر الكامن في اللغة العربية حتى لو كتبوا بالفرنسية.. فاللغات تتجاور وتتكامل أيضاً.
yabolouz@gmail.com