قضايا ودراسات

رد الاعتبار لمنهج الإصلاح

من أوخم العواقب السلبية للخضات التي طالت العالم العربي في عام 2011، أنها أقصت خطاب الإصلاح إلى مواقع خلفية، بعد أن كان في مطالع هذه الألفية هو حديث الساعة عربياً، حيث شهدنا في أكثر من بلد عربي تحولات مهمة باتجاه مشاركة أوسع للمجتمع المدني في الحياة السياسية، ودارت أحاديث كثيرة حول جدوى طريق الإصلاح التدريجي الناجم عن توافقات بين الحكومات ومجتمعاتها، لتجنيب البلدان مخاطر الاحتقانات والانفجارات.

ما وصف تجاوزاً ب «الربيع العربي»، كان في جانبٍ رئيسي منه تحبيذاً، أو إعادة تحبيذ، لفكرة الثورات والانقلابات الجذرية، وتراجعاً عن دعوات الإصلاح، تحت تأثير اليأس من إمكانية الإصلاح نفسه، الذي يتطلب تقديم تنازلات متبادلة من الحكومات ومن القوى المجتمعية المعارضة على حدٍ سواء.
وبرهنت التجربة على أن الفريقين لم يكونا في جاهزية لتحقيق التوافق على ذلك الإصلاح، الذي يلزم، فيما يلزم، أن تتخلى الحكومات عن بعض سلطاتها للمجتمع ممثلاً في هيئاته المنتخبة ومؤسساته المدنية، وأن تعيد القوى المعارضة النظر في خطاباتها الرافضة للإقرار بشرعية الحكومات، والعمل المشترك في إعادة صوغ هذه الشرعية كي تحظى بالقبول المجتمعي المنشود.
نتائج ما جرى ويجري منذ العام 2011 بينت الكلفة الباهظة للتراجع الذي جرى عن خطاب وممارسات الإصلاح، وهذه الكلفة بادية في الطابع الدموي الذي جرت به التغييرات في بعض البلدان العربية: ليبيا وسوريا واليمن مثالاً. وهذه الكلفة بادية بصورة أكثر وضوحاً في المآلات البائسة لتلك التغييرات، التي جرت على شكل حروب أهلية مدمرة، أسفرت وتسفر عن أنهار من الدماء وموجات من التهجير غير المسبوق، وتدمير المدن والبلدات.
وبعد أن ذاقت الشعوب ما ذاقت من ويلات، شاع رأي، فيه الكثير من الوجاهة والمنطق، مفاده لو أن الأمور ظلت على ما كانت عليه قبل هذه التغييرات لكانت الأحوال أفضل، ولتجنبنا الكثير من هذه الويلات.
يعيدنا هذا إلى نقطة البداية. كان بالإمكان تجنب كل ذلك لو مشينا في طريق الإصلاح بالمعنى الذي أشرنا إليه أعلاه حتى نهايته، أي ليس ذاك الخطاب الذي يتظاهر بهذا الإصلاح، وإنما يمضي فيه بجسارة، لأن ما يبدو أنها كلف يجب تقديمها في سبيله، هي وحدها التي تنقذ المجتمعات من المخاطر والانفجارات غير المتوقعة، وتحصن الجبهات الداخلية بوجه الاختراقات الخارجية.
قبل سنوات كنا نقول، إن إدراك أهمية الإصلاح، أياً كانت كلفته، لن تقارن بكلفة الجمود على الوضع الذي كان، وإن أي تأجيل أو تردد في هذا المجال لن يعني سوى مضاعفة الكلف وزيادة الآلام الناجمة. ومن سوء الحظ أن هذا ما حدث.
د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى