قضايا ودراسات

رفع كفاءة الاستهلاك

هشام صافي

معدلات استهلاك الفرد من المياه في دولة الإمارات العربية المتحدة تتجاوز 500 لتر في اليوم الواحد، وهو ضعف معدل الاستهلاك العالمي، وتعتبر الدولة الثانية على مستوى العالم من حيث استهلاك الفرد للمياه بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أرقام شديدة الخطورة لأن الإمارات من الدول الفقيرة مائياً بسبب عدم وجود مصادر طبيعية كالأنهار والبحيرات، ولندرة الأمطار التي تسقط على البلاد خلال العام، ولولا اللجوء إلى خيار التحلية المكلف جداً لكنا أمام وضع غاية في الإحراج، ومشكلة معقدة تبحث عن الخلاص.
الدراسات والخبراء يحذرون من إمكانية مواجهة مشكلات حقيقية في توفير المياه اللازمة في البلاد إذا استمرت معدلات الاستهلاك الحالية، مع النمو السكاني والتوسع في العمران والتصنيع والزراعة، الذي يتطلب مزيداً من المياه لا يوجد لها مصدر لسد الفجوة في العجز الكبير، وعدم التناسب بين الكميات المنتجة والمستهلكة، سوى باللجوء إلى مصدر المشكلة، الأزمة المستقبلية، وهو ارتفاع معدلات الاستهلاك بنسب خيالية، جعلت الفرد ثاني أكبر مستهلك لأغلى سلعة كمصدر للحياة وبسبب تكلفة إنتاجها، عبر تحلية مياه البحر، أو حتى تحلية المياه الجوفية التي تحول جزء كبير منها إلى مياه مالحة بسبب الاستنزاف الجائر لها.
الدولة تعمل ما هو مطلوب منها وزيادة، من خلال وضع برامج ترشيد استخدام المياه الجوفية، وتلجأ إلى الحلول باهظة الثمن من خلال تحلية مياه البحر، ليبقى المواطن متنعماً باستهلاك ما يريد من المياه، ولمواجهة المشكلة بنجاعة يجب أن ينصب التوجه على الفرد المستهلك، ليعود مستوى استهلاكه إلى الطبيعي، بلا تبذير ولا تبديد ولا إسراف ومغالاة، جميعها تنم على عدم وعي بقيمة الثروة التي بين أيدينا، نبعثرها بلا حساب، غافلين أن للأجيال القادمة حقاً فيها، يجب أن نحافظ عليه من الهدر، ونبقيه لها آمناً لتنعم به كما تنعمنا بغيره.
إن التحدي في تلبية الطلب المستقبلي على خدمات المياه، يجب أن تتم مواجهته بترشيد استهلاك المياه، على مستوى الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة، ولاحتياجاتنا الحياتية جنباً إلى جنب مع المستهلك في الزراعة والصناعة وغيرهما، واستخدام التقنيات الحديثة للحد من هدر المياه في كل أنحاء البلاد، وفي جميع أنواع الاستهلاك.
سننجح في تحقيق الأمن المائي واستدامته، إذا نجحنا في رفع مستوى الجمهور بأهمية ترشيد استهلاك الماء، وتعميق ثقافة الترشيد لدى أكبر قطاع ممكن من أفراد المجتمع، وتشجيعهم على رفع كفاءة الاستهلاك، فكلما كان الوعي بالاستهلاك كبيراً كان التوفير في المياه كبيراً أيضاً، وهو المطلوب تحقيقه، وإذا ارتفع إحساسنا بأن الإسراف في استهلاك المياه فيه تعدٍّ على حقوق الآخرين حتى لو كنا ندفع ثمنه المتواضع والرمزي، سنصل إلى حلول واقعية لأزمة تعتبر من أخطر القضايا الوطنية على مستوى الإمارات ومعظم دول العالم.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى