رقصة الذبيح
خيري منصور
يقال إن الأفعى التي تتلوى أمام العازف الهندي لا تفعل ذلك استجابة لإيقاعات المزمار، فهي على الأغلب صمَّاء، لكنها تتحرك من أجل اتخاذ وضع مناسب للدغ أصابع العازف، كما أن ما قيل عن دموع التماسيح يتراجع أمام اكتشاف العلماء أن الدموع عملية تساعد هذا الحيوان على الهضم لأنه غالباً ما يزدرد الفريسة!
وهذا ما قاله شاعرنا العربي عن رقصة الطائر الذبيح الذي يترنح من شدة الألم، لهذا لا نستغرب حين نقرأ مذكرات أشهر الممثلين العرب في الكوميديا وهم يتحدثون بأسى عن عذاباتهم التي يضطرون لإخفائها من أجل إضحاك الناس، فهل يكون الإفراط أحياناً في ممارسة ما هدفه إخفاء النقيض؟ يقول الروائي الراحل والحاصل على جائزة نوبل نجيب محفوظ إن حياته اليومية شديدة الانضباط تخفي تحتها صراعاً عنيفاً وفوضى لا حدود لها، تماماً كما يخفي سطح البحر الهادئ صراعاً بلا نهاية في الأعماق!
هذه الأمثلة وغيرها تفرض علينا أن نقرأ البشر بطريقة أخرى غير الطريقة التقليدية المباشرة ما دام هناك من يبكون من شدة الضحك ومن يضحكون من فرط البكاء، ومن يرقصون ألماً أو بحثاً عن موضع مناسب للدغ العازف كالأفعى!
من هنا كانت السخرية سواء تجسدت في الكوميديا أو فن الكاريكاتور سلاحاً يستدعيه الإنسان عندما يصبح عديم الحول والقوة، وما يقوله أحد أبرز علماء الجمال وهو جورج لوكاتش فإن السخرية سلاح شديد المضاء تشحذه الآلام ومن أفضل النصوص التي كتبت ضد الغزاة في التاريخ تلك التي اعتمدت السخرية من أجل تسفيه المحتل وإفقاده الهيبة التي يحاول ادعاءها! وهناك مقولة لفيلسوف ربما كان الأعمق في الكتابة عن الضحك هو هنري برغسون تقلب المشهد رأساً على عقب، يقول لو قدر لنا أن نتذوق عينة من الضحك لوجدنا أنه أمر من العلقم!
فهل ما نراه ونسمعه على مدار الساعة هو رقصة الذبيح السوداء والضحك المر؟ ذلك ببساطة لأن المخفي أعظم!Original Article