قضايا ودراسات

رمضان جانا

محمد سعيد القبيسي

كم أحن وأترقب بشوق إلى تلك المجالس الرمضانية، حيث كنا نستعد لها، أشربة متعددة، أكلات متنوعة، القهوة والشاي، والعصائر المتنوعة، إلى أشهى الحلويات والأكلات الرمضانية اللذيذة، التي تملأ الأطباق في المجالس.
سعادة ما بعدها سعادة، فرح بلقاء الأهل والأصدقاء ورجال الحي يلتقون على الخير والمحبة والصفاء.
هذا الموروث الاجتماعي الرمضاني هلّ علينا بأنفاسه العطرة ونفحاته الإيمانية الدافئة، حيث تلتقي القلوب. لقد أدركت الآن بعدما كبرت الدروس والعظات التي اكتسبتها من تلك المجالس بطريقة غير مباشرة، فالمجالس بحد ذاتها مدرسة، تعلمنا منها ما يسمى اليوم «البروتوكول»، والاحترام، والآداب، آداب توسيع المكان للضيوف، وتقديم الكبير على الصغير، وخدمتهم، وحسن الاستماع والإنصات. كما استفدنا من الأحاديث في الأدب، والفقه والدين، والاجتماع، وقضايا الحياة، وحكايا الآباء والأجداد، ودروس التاريخ، ومحبة الأوطان، ومعرفة الأشعار والأمثال الشعبية، والحكم وسير الأبطال والشخصيات، وأسماء القبائل، والأهم من ذلك العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية، والأخلاقية.
لقد كان مجلس رمضان يزخر بمشاعر الحب والألفة والتعاون، يستنبط من بركة الشهر المعاني النبيلة والخيّرة، ليكون ضياء في نفوس المجتمعين. يحلمون فيه على الضعيف، ويساعدون المحتاج ويسعون للمصالحة بين الأهل والجيران، ويصفون النوايا، فكم من حالات صلح تمت في هذه المجالس، وكم من قاطع رحم رجع ووصل أهله، وكم من معضلة وإشكال ذابا بمجرد لقاء صفاء ونقاء، وبحضور رجال الحي.
الجميل في هذه المجالس الرمضانية أنها اكتسبت اليوم واجهة وطنية تغطيها توجيهات سامية من أصحاب القرار والرأي والقيادة الرشيدة الذين فتحوا مجالسهم، ليستقبلوا فيها أبناء الوطن لنشر المفاهيم التنموية الصادقة، من أجل التطوير والنهضة وتسيير عجلة التقدم والازدهار، ولنشر الثقافة الإنسانية الخيرية الواعية، ونبذ أفكار الشر والتطرف، والإرهاب، وإفشاء مفهوم السعادة والاتحاد والوئام، والاستماع إلى طلبات المواطنين والوقوف على احتياجاتهم وتلبيتها.
كم نزهو ونفخر اليوم عندما نرى قادتنا والشيوخ والوزراء، وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي، ومختلف المسؤولين، والشخصيات في الدولة يلتقون في المجالس الرمضانية يتبادلون الرأي ويسعون في تقديم الاقتراحات، والأفكار التي من شأنها أن تخدم الوطن والمواطن.
بارك الله في هذا الشهر الفضيل، وبارك في لياليه السعيدة، وفي مجالسه الكريمة، وبارك في ربابنة هذه السفينة العامرة، حفظها الله، الذين ثبتوا هذه التقاليد الرمضانية الرحمانية، وملأوها بالنوايا الصادقة والأعمال المخلصة.

abudhabi@email.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى