ريح خارجية تهبّ على انتخابات العراق
محمود الريماوي
نجح مقتدى الصدر في إرباك الساحة الحزبية والبرلمانية، بعزمه على تأييد تحالف يضم حزبه (حزب الاستقامة) والحزب الشيوعي العراقي، وشخصيات مستقلة في تحالف يحمل اسم: «السائرون نحو الإصلاح»، وذلك لخوض الانتخابات النيابية المقررة في مايو المقبل.
وتفسر أوساط في التيار الصدري، هذا التوجه بأنه يجسد سعي الصدر لبناء كتلة وطنية عابرة للطوائف. وبذلك يكون الرجل قد تخلى بصورة تدريجية، ونهائية هذه المرة عن حلفائه السابقين في حزب الدعوة، والمجلس الأعلى، وحزب الفضيلة.
ولا شك أن قيام رجل دين بالتحالف مع يساريين علمانيين، يشكل اختراقاً للاستقطاب الحزبي والمذهبي، الذي يطبع الحياة العامة منذ نحو 13 عاماً في بلاد الرافدين. ويصر الصدر من جهته على أنه ما زال معتزلاً للعمل السياسي والحزبي، وهو الاعتزال الذي أعلن عنه عشية الانتخابات الماضية في أبريل 2014، ما أدى إلى فوز كتلة الأحرار التي كان يدعمها ب34 مقعداً فقط من جملة 328 مقعداً، يتشكل منها مجلس النواب.
وبينما تعمد دوائر حزبية نافذة، إلى التقليل من أهمية التحالف الجديد الذي يدعمه الصدر، فقد كان لافتاً أن رد الفعل الأوضح والأعلى صوتاً، جاء من مسؤول إيراني رفيع زار بغداد في فبراير الماضي، وشارك في افتتاح مجمع إسلامي يرعاه حزب الدعوة، والمسؤول هو مستشار مرشد الثورة الإيرانية علي أكبر ولايتي، الذي خاطب المحتفلين في بغداد قائلاً: «إن الصحوة الإسلامية لن تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم في بغداد»، وهو التصريح الذي أثار أصداء واسعة سلبية، إذ فُهم منه أن مصير الانتخابات وحظوظ الفوز والخسارة، قد تتقرر خارج الحدود، وليس بإرادة الناخبين العراقيين.
وقال عبد الباري زيباري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية النيابية، في هذا الصدد: «إن أي تصريح غير منسق مع الحكومة العراقية سيؤثر على التوجه والرأي العام العراقي، وستكون له انعكاسات سلبية خاصة في مرحلة الانتخابات»، بينما اعتبر النائب في البرلمان فائق الشيخ علي في تدوينة على مواقع التواصل «بأن هذه التصريحات تمثل استخفافاً واستهتاراً بالعراقيين، وأن سائر شرفاء العراق لن يسمحوا لولايتي وغيره من الإيرانيين بالتدخل في الشأن العراقي». ويسترعي الانتباه في تصريح ولايتي القول، إن الشيوعيين والليبراليين لن يعودوا لحكم العراق، علماً أنه لم يسبق لهؤلاء أن حكموا بلد الرشيد، بما في ذلك خلال عهد حكم عبد الكريم قاسم (19581961)، الذي لم يكن ليبرالياً ولا يسارياً، وإن حظي ببعض التأييد من الشيوعيين وغيرهم آنذاك.
وفي حديثه عما يسميه «الصحوة الإسلامية»، فإن القائل يتجاهل أن العراق بلد لا تتعدد فيه الأعراق والطوائف فقط؛ بل تعدد فيه المذاهب والمشارب السياسية والفكرية أيضاً، وأن الانحياز إلى لون واحد ومحاولة تسييده، لن يخرج العراق من أزماته المتلاحقة والمستعصية.
وفي النهاية سيختار العراقيون من يختارونه، فالانتخابات شأنهم الخاص، وهي استحقاق دستوري وسياسي ووطني، وليس لطرف خارجي أياً كان، أن يتدخل مباشرة أو مداورة في قضية داخلية محضة، لا ناخب خارجياً فيها، ولا شك أن الحكم في إيران لا يسمح بأي تدخل خارجي في انتخابات داخلية، حتى لو كان الطرف المتدخل يُحسب في خانة الأصدقاء.
ولا يأمل أشقاء العراق وأصدقاؤه سوى أن يتمكن العراقيون من إجراء انتخابات نزيهة وسليمة، وفق المعايير الدولية المتفق عليها، بحيث تعكس نتائج الانتخابات واقع التعدد والتنوع الاجتماعي والثقافي، الذي يشكل مصدر غنى وحيوية لهذا البلد، وأن تنجح السلطة التشريعية المنتخبة بالتعاون مع بقية السلطات ومع سائر الممثلين المنتخبين، في إرساء دولة عصرية، منيعة وعادلة تسهر على تطبيق حكم القانون، وعلى حصر السلاح بأيدي السلطة الشرعية، وتكفل استعادة سيادة الوطن واستقلاله، وتسخّر ثرواته لفائدة عموم الشعب وموجبات التنمية الشاملة، مع إقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء ومع دول الجوار ودول العالم، على قاعدة الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، بحيث يبقى القرار الوطني في جميع الأحوال بأيدي العراقيين، بغير تدخل خارجي أو تأثير أجنبي أياً كان مصدرهما.
فقد عانى العراق طويلاً ومريراً تدخلات دول وجماعات تتسربل بشعارات وتعِلات شتى، من أجل حرمان العراقيين من تقرير مصيرهم في أجواء طبيعية بعيدة عن الاستقطاب والإقصاء، وعن العنف أو التهديد به، أو ازدراء القانون وأخذه باليد.
وفي واقع الأمر فإن تصريحات ولايتي في بغداد، وعلى غير المقصود منها، زكّت مواقف أطراف عديدة في المجتمع العراقي، تلتقي على أهمية وضع حد لكل تدخلات خارجية، والشروع في إعادة بناء الوطن والدولة (لا الموصل وحدها)، على أساس من العدالة والكفاءة، والاحتكام إلى المصلحة الوطنية، لا إلى مصالح الآخرين الأقربين أو الأبعدين.
mdrimawi@yahoo.com