مقالات عامة

«سايكس بيكو» من جديد

د. حسن مدن

هناك انطباع خاطئ، فحواه أن الكيانات العربية القائمة حالياً، هي كلها نتاج التقسيم الفرنسي – البريطاني الذي عُرف باتفاق سايكس بيكو، بينما الحقيقة ليست كذلك أبداً، فإن كان صحيحاً أن بعض الكيانات الوطنية نشأت نتيجة هذا التقسيم، فالصحيح أيضاً أنه لم يغط المساحة الواسعة التي يُشكلها العالم العربي، فهو لم يشمل، مثلاً، بلدان المغرب العربي، التي أدخلت في دائرة النفوذ الفرنسي منذ القرن التاسع عشر، بل إنه لم يشمل كامل المشرق العربي، وفعلياً كان إقليم الخليج والجزيرة العربية، وليس هذا الإقليم وحده، خارج دائرة هذا الاتفاق.
ومن الأمثلة على الكيانات الوطنية التي تشكلت بمعزل عنه، قيام المملكة العربية السعودية عام 1932، عبر ضم وتوحيد مملكة الحجاز مع سلطنة نجد، وأيضاً ضم إمارة عسير إليهما، وكذلك ضم الضفة الغربية، الفلسطينية، للأردن في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وبعد ذلك توحيد العشرات من إمارات الجنوب العربي مع عدن في الستينات، ضمن ما عرف ب «اتحاد إمارات الجنوب العربي»، ما ساعد، لاحقاً، على قيام جمهورية اليمن الديمقراطي بعد حرب الاستقلال ضد الإنجليز، وفيما بعد توحيد اليمن في دولة واحدة.
من الأمور المغفلة أيضاً أن الاتفاق الذي وقع في العام 1916 لم يكن ثنائياً فقط بين الفرنسيين والإنجليز وحدهما، وإنما كان اتفاقاً ثلاثياً طرفه الثالث هو روسيا القيصرية، التي كانت حصتها بموجبه، تأمين استيلائها على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال العراق.
وحسب ما هو متاح من معطيات، فإن الحكومة الفرنسية عيّنت جورج بيكو قنصلها العام في بيروت مندوباً سامياً لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية في مستقبل البلاد العربية، وسافر إلى القاهرة، واجتمع بمارك سايكس المندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى، بإشراف مندوب روسيا، وأسفرت هذه الاجتماعات والمراسلات عن اتفاقية عُرفت باسم «اتفاقية القاهرة السرية»، ثم انتقلا إلى مدينة بطرسبرغ الروسية، لإنهاء المفاوضات وتوقيع الاتفاق الشهير.
لم يعرف القادة العرب، أو جلهم، ناهيك عن النخب العربية بأمر هذا الاتفاق السري، إلا بعد أن سقط حكم القياصرة في روسيا، وقام الحكم البلشفي الجديد بفضح الاتفاق ونشر بنوده، ما أثار احتجاجات واسعة في بلاد الشام خاصة.
في محاضرة أقيمت ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب المقام حالياً، يرى المؤرخ والباحث اللبناني المعروف أن في حصر موضوع «سايكس بيكو» في أمر الخرائط التي رسمها، فقط، إغفال لما هو أهم فيه، أي بعده الاقتصادي بتقسيم الموارد والنفوذ بين الضواري الاستعمارية.
كما يرى أيضاً أن في اختزال المأزق العربي الراهن في كونه نتاج هذا الاتفاق ينطوي على تسطيح، لأنه يغفل عن مسؤولية أنظمة تعاقبت على الحكم في العالم العربي خلال نحو قرن حتى الآن في الإخفاقات التي بلغناها.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى