قضايا ودراسات

سقوط «دولة الخرافة»

صادق ناشر
لم يخفِ المسؤولون العراقيون غبطتهم للنهاية التي آلت إليها آخر المعارك التي خاضتها قوات الجيش ضد تنظيم «داعش» في مدينة الموصل، التي كانت آخر محطة من محطات القتال الشرس منذ ما يزيد على 8 أشهر، سقط خلالها المئات من القتلى والجرحى، وتسببت في خراب المدينة وآثارها، لعل أبرزها جامع النوري بمئذنته الشهيرة «الحدباء».
ربما يكون دحر «داعش» من الموصل وإنهاء حلم تأسيس دولة الخلافة، التي بشر بها أبوبكر البغدادي من جامع النوري بالذات في التاسع والعشرين من يونيو/حزيران من العام 2014، هو الإنجاز الأكبر للجيش العراقي، المدعوم من قوات الحشد الشعبي. فطوال ثلاث سنوات بالتمام والكمال، عاش «داعش» تحت وهم القوة، فمارس كل أنواع التنكيل ضد الشعب العراقي، وتسبب بخسائر بشرية وعسكرية هائلة للعراقيين كانت كفيلة بإعادة إعمارها في فترة زمنية أقصر.
لم يترك التنظيم فرصة للعراقيين أن يتنفسوا بحرية، فخلال سيطرته على مناطق واسعة في العراق وأجزاء من سوريا، أقدم على تدمير البنية التحتية التي بناها العراقيون والسوريون طوال العقود الماضية، وأسوأ من ذلك أقدم على تدمير كل ما له صلة بالحضارة والتاريخ، من خلال تدمير مدن ومواقع أثرية بالغة الأهمية.
سقطت إذاً دولة الخلافة المزعومة، أو كما أسماها المتحدث باسم الجيش العراقي «دولة الخرافة»، وانتهت واحدة من أشرس المعارك وأكثرها كلفة خلال السنوات الأخيرة، لكن المعركة لن يكتب لها النجاح الكامل، إلا إذا تمكنت الدولة العراقية من ملء الفراغ الذي تركه «داعش» في المناطق التي بقيت تحت سيطرته، من خراب ودمار في الأبنية والنفوس، والأهم ألا تتكرر الأسباب التي أدت إلى ظهور «داعش» وأخواته، والتي ألحقت ضرراً كبيراً ببنية المجتمع العراقي المتنوع والمتعدد.
صحيح أن القضاء على التنظيم المتطرف يعد إنجازاً كبيراً، لكن الأهم هو في استعادة العراقيين سلامهم الاجتماعي المفقود، وهو الغائب حتى منذ ما قبل ظهور «داعش»، والخوف أن يكون غياب «العدو الداخلي» سبباً في عودة الصراعات السياسية القديمة المتكئة على أسس مذهبية وطائفية، العراق في غنى عنها، فتنظيم «داعش» وحد العراقيين خلف جيشهم للتخلص من الكابوس الذي ظل جاثماً على صدورهم لثلاث سنوات، ولا يريدون لأسباب وصراعات إضافية أن تعيد إنتاج نسخة أخرى من «داعش».
معركة الموصل انتهت بالتخلص من تنظيم «داعش»، لكن معركة ثانية لا بد لها أن تبدأ، وهي الأهم، معركة إعادة بناء العراق، فخسائر العراقيين بسبب صراعاتهم الممتدة منذ الاحتلال الأمريكي لبلادهم، وحتى اليوم، تسببت في إزهاق أرواح مئات الآلاف، ناهيك عن تدمير اقتصاد بلد كان يعتبر واحداً من الأغنى في المنطقة، لذلك تعد مسألة إعادة الإعمار من أكبر التحديات التي تقف أمام القيادة العراقية، التي لا يجب أن تكتفي بقيادة المعارك والحروب، بل بإعادة بناء ما دمرته هذه الحروب والعمل على إغلاق المصادر المسببة لها.

Sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى