قضايا ودراسات

سوريالية الموت المجاني!

نبيل سالم
مع تزايد الحديث عن قرب تحرير مدينة «الرقة» السورية من براثن تنظيم «داعش» الإرهابي، تتزايد الأخبار عن مقتل العشرات وربما المئات من المدنيين، في قصف «المحررين» (بكسر الراء)، على اختلاف انتماءاتهم ومواقعهم الجغرافية، فتارة تقتل طائرات «التحالف» العشرات من المدنيين في قصف بالخطأ تقول إنه يستهدف الإرهابيين، وتارة يسقط المدنيون في قصف الميليشيات الكردية، أو «داعش»، أو غيرها من القوى المتصارعة على الأرض السورية، حتى أنه لم يعد يمر يوم واحد إلا وتتناقل الأنباء أخبار القتل العشوائي للمدنيين، في المحرقة السورية، أو العراقية، تحت «يافطة» اسمها التحرير من «داعش».
بداية لا بد من القول، إن قتال «داعش» أو غيره من تنظيمات الإرهاب والجريمة، أمر واجب ويستحق الإشادة به، لكن شريطة ألا يكون «يافطة»، لتبرير خطط معدة لتدمير المدن العربية، واحدة تلو الأخرى، حيث إن ما يجري في الرقة، يجري مشابهاً له في أكثر من منطقة سورية وعراقية، إذ تدمّر الطائرات المغيرة المدن السورية والعراقية، بشكل منهجي، مستهدفة البشر والحجر، والبنى التحتية، والمرافق العامة، وكل ذلك بذريعة محاربة الإرهاب، أو تدمير تنظيم «داعش»، الذي يدرك الداني والقاصي، أنه تنظيم إرهابي، أنتج في دهاليز الاستخبارات الغربية، التي تبحث عن مبررات، لتدمير القدرات العربية، وقتل العرب بالمجان، كما هو الحال عندما شنت طائرات حربية تابعة للتحالف في الخامس والعشرين من مايو/أيار الماضي، عدة غارات جوية استهدفت فيها الرقة وريفها ما أسفر عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح في صفوف المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، بينهم ستة عشر مدنياً، من ضمنهم خمسة أطفال مع والدتهم في قرية البارودة على بعد نحو خمسة عشر كيلومتراً غرب مدينة الرقة، معقل تنظيم «داعش» الرئيسي في سوريا، ناهيك عن استخدام القنابل الفوسفورية المحرمة دولياً في قصف المدنيين.
وما يقال في القصف الذي يستهدف مدينة الرقة السورية، وريفها يقال أيضاً في قصف الكثير من المدن السورية والعراقية، التي نالت نصيبها من قصف عشوائي لا يميز بين إرهابي ومدني، ما يعني أن المدنيين في المدن والأرياف التي استطاع تنظيم «داعش» الإرهابي السيطرة عليها في كل من سوريا والعراق، باتوا في هذه الحرب بين حجري الرحى، أو بين مطرقة «داعش»، وجرائمه الفظيعة، وسندان من يسمون أنفسهم بالمحررين، ليدفعوا الفاتورة الكبرى، من دمائهم ودماء أطفالهم، بطريقة تدعو إلى الاستهجان. إذ كيف يمكن تبرير قتل الأبرياء بحجة تخليصهم من ظلم «داعش»، وكأن ما يجري في الرقة وغيرها من المناطق التي ابتلي أهلها بهذا التنظيم الدموي، هو إطلاق رصاصة الرحمة على هؤلاء المساكين، تحت ذريعة محاربة الإرهاب؟
ولعل المفارقة التي تفرض ذاتها هنا، هي أن عدد الضحايا المدنيين الذين يسقطون، بقصف محرريهم إن جاز التعبير، يفوق بكثير عدد الذين قتلهم تنظيم «داعش» الإجرامي، ذو الأجندات الاستعمارية الخارجية، الرامية إلى تدمير الدول العربية واحدة تلو الأخرى، بهدف تنفيذ سيناريوهات استعمارية، يتم من خلالها رسم خرائط جديدة للمنطقة، تفضي إلى تسيّد الكيان الصهيوني عليها، بعد الانتهاء من تفكيكها وتحطيم نسيجها الوطني، وصولاً إلى تقسيمها، وتدمير مقومات الحياة والتطور فيها.
وإزاء كل ذلك لا بد من القول: إنه ومع الأسف فإن بعض القوى الدولية، ولا سيما تلك التي يشك بدور لها في إنتاج «داعش» وغيرها من منظمات الإرهاب العابر للحدود، تستخدم مصطلح محاربة الإرهاب، ككلمة حق يراد بها باطل، فمحاربة الإرهاب لا تعني أبداً، قتل الناس من دون وازع ضمير، وتدمير الدول، وتحطيم مقدراتها وآمالها، لأن ذلك سيكون في المستقبل عاملاً مهماً من عوامل استفحال الإرهاب وانتشاره.
وأخيراً، لا بد من القول إن حياة الإنسان في منطقتنا وفي أي منطقة من العالم، يجب أن تحترم، إذا كانت هناك جدية حقيقية في محاربة الإرهاب، وإلا لكان الإرهاب ومحاربته سيؤديان إلى النتيجة نفسها، وهو القتل المجاني للأبرياء، في هذا المشهد السوريالي.

nabil_salem.1954@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى