مقالات عامة

سوريا ونهاية الحرب

صادق ناشر

اللعبة في سوريا لم تنته، صحيح أن الحرب شارفت على نهايتها، إلا أن تداعيات الصراع لا تزال تلقي بظلالها على الوضع برمّته، ويبدو أن اللاعبين الدوليين في أزمة سوريا، ليسوا على عجلة بوضع حد للصراع؛ إذ يريد كل طرف أن يضمن أخذ ما يريده، بعد أن رمى بكل ثقله في الملعب، سواء كانت الولايات المتحدة أو روسيا أو إيران أو تركيا، وصولاً إلى «حزب الله» اللبناني المرتبط بطهران، فكل طرف من هذه الأطراف له حساباته من تقسيم الكعكة، وحده النظام ليس في يده شيء، بعدما حولته الحرب، المستمرة منذ سبع سنوات، إلى مجرد كعكة يتصارع الكبار لتقاسمها.
الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في إنشاء جيش موازٍ للجيش السوري في شمالي البلاد، وتركيا تريد ضمان بقائها في المناطق الحدودية لها مع سوريا، فيما روسيا حاضرة بكل ثقلها السياسي والعسكري، وصارت الكلمة العليا لها، بعد أن سلّم لها النظام مفاتيح الأمور، أما إيران فحضورها لا يخفى على عين المراقب، فالحرس الثوري قاتل ويقاتل في سوريا، منذ بداية الأزمة، وآلاف القتلى من جنوده الذين سقطوا في الميدان، أكبر دليل على هذا الحضور والتأثير.
لا يبدو المشهد في سوريا مقبلاً على مفاجآت، فاللاعبون الكبار هم من يقرر مصير البلد الذي دفع ويدفع أبناؤه ثمن صراع السنوات السبع، فهناك مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وهناك الملايين من الذين تقطعت بهم السبل داخل البلد، فاضطروا للهروب إلى خارجه، وحتى في حالة إمساك النظام بالأوضاع، ومؤشرات ذلك تبدو قوية، إلا أن سوريا لم تعد ولن تعود كما كانت، فحجم الخلافات السياسية التي أحدثتها الحرب كارثي بكل المقاييس، وإعادة البناء ستحتاج وقتاً طويلاً، قياساً بحجم الدمار الذي أحدثته آلة الحرب، لكن معالجة الانقسام في النفوس، ربما تكون الأصعب في المرحلة المقبلة.
ما يحدث اليوم هو إعادة رسم المشهد في سوريا بتفاصيله الكاملة، وهناك خطوط حمر لا يمكن للأطراف المتصارعة تجاوزها؛ إذ إن اللاعبين يدركون حجم المكاسب التي سيحصلون عليها من التسوية في سوريا، بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهي مكاسب تتناسب مع حجم المشاركة في الأزمة، ولا شك أن روسيا التي رمت بثقلها في الحرب إلى جانب النظام، ستكون الرابح الأكبر في هذه التسوية، سواء اقتصادياً أو عسكرياً، وبالطبع سياسياً، خاصة في ظل التناغم الكبير في المواقف بينها والنظام السوري.
في المحصلة الأخيرة هناك تفاهم دولي على إنهاء الأزمة السورية، بما يتناسب مع حجم مشاركة الأطراف فيها، وفي حين تستعد هذه الأطراف لقبض ثمن مشاركتها في الحرب، فإن الخاسر الوحيد هو الشعب السوري، الذي يعيش منذ بداية الحرب مشرداً داخل بلده وخارجه، فالحرب، إضافة إلى كونها تسببت في دمار البنية التحتية، فإنها قضت على النسيج الاجتماعي لبلد كان حاضناً للجميع، وربما يكون ذلك أسوأ ما في هذه الحرب، واستعادة السلم الاجتماعي المفقود، ستتطلب سنوات طويلة من الجهد والألم معاً.
sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى