قضايا ودراسات

شبهات حول «داعش»

مفتاح شعيب

الشبهات العديدة التي صاحبت تأسيس تنظيم «داعش» في مستهل نشوء ظاهرته الإرهابية الخطيرة قبل ثلاث سنوات تقريباً، تعود هي نفسها مع البيانات عن قرب نهاية التنظيم بعد هزائمه الساحقة في العراق وسوريا وفقدانه معظم المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته. ذات الشبهات تؤكدها أيضاً الاتهامات المتبادلة بين أطراف دولية حول من يدعم التنظيم ويتظاهر بقتاله وبين من يدعي أنه يحاربه بصدق ويعمل على اجتثاته.
ربما يكون الوقت مبكراً لمعرفة الملابسات التي حفت ببناء تنظيم «داعش» ووظيفته ودوره في كل ما ارتكبه وخلفه من انقسامات وفتن وأحقاد، فضلاً عن الإرهاب والترويع الذي أشاعه في العالم أجمع. لكن المؤكد أن ذلك التنظيم الذي يصور على أنه «يلفظ أنفاسه»، لم يكن ذاتي الولادة والنشأة والفعل، والأقرب إلى الظن أنه كائن مصطنع لعبت دول وأجهزة استخبارات دوراً في رعايته حتى كان ما كان. والاتهامات والشكوك المطروحة التي تخيم في سماء الحرب على «داعش» ليست مفاجئة بالمرة. وعلى سبيل المثال فضحت تقارير إعلامية واستخبارية أمريكية تواطؤاً بين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ودول من بينها تركيا وقطر و«إسرائيل» في دعم التنظيم ومنحه «هيبة إعلامية» عبر وسائط معقدة، حتى أصبح ظاهرة تشغل الناس في كل مكان، وتواصل الأمر على ذلك النسق حتى بدأت بعض السياسات تتغير بعد أن تعاظم الخطر وأصبح خارجاً عن نطاق السيطرة، وهو ما تجلى في الاعتداءات الإرهابية التي ضربت عدداً من الدول الأوروبية ووصلت إلى الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة.
خلال الأيام الماضية اتهمت وزارة الدفاع الروسية رسمياً القوات الأمريكية بالتظاهر بقتال «داعش»، وسمحت له بالفرار من الرقة السورية، ولم يجد المتحدث باسم التحالف الدولي ريان دايلون من رد غير الاعتراف ب «فرار إرهابيين» من الرقة، بينما جاء من غرب الوطن العربي تحذير من وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل من وصول «المقاتلين الأجانب» إلى منطقة شمال إفريقيا، بالتزامن مع تأكيد وصول عدد من الإرهابيين إلى الصومال وجنوب الصحراء الكبرى وحتى شرقي آسيا في الفلبين. وبين الخشية والتأكيد تتضح الشبهة أكثر، والخوف الأكبر أن تكون هزيمة التنظيم في معاقله التقليدية مقدمة لنقل ظاهرته الإرهابية إلى أقاليم أخرى، ربما تتوفر فيها شروط أفضل للبقاء ونشر الفوضى وضرب استقرار عدد من البلدان لغايات ستنكشف في الوقت المناسب.
الاستنتاج الأولي من جمع مختلف الشبهات أن هناك أطرافاً خفية تلعب بورقة «داعش» وتعمل على توظيفها في المكان والزمان المناسبين لمصالحها وأهدافها. وهناك من يعتقد أن التدخل الروسي في سوريا قد أفسد الطبخة في الشرق الأوسط، ولكن في مناطق أخرى ربما لا توجد لموسكو ذريعة أو حجة للتدخل. والمخاوف التي عبر عنها وزير الخارجية الجزائري جدية، فمنطقة شمال إفريقيا مهددة بالفعل والأوضاع في ليبيا وجنوب الصحراء الكبرى لا تطمئن. ومع الجزائر نفذت البصيرة المصرية إلى الخطر المحتمل، وحذرت بدورها من أن التهديدات ما زالت قائمة. وهذه مواقف مسؤولة وصادقة، لأن إعلان النصر في مكان ما لا يعني سلامة البقية، طالما أن الخطر لا يأتي من «الجني» نفسه، وإنما ممن يستحضر ذلك الجني الذي اسمه «داعش» ويعمل على توظيفه كيفما يشاء.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى