شرط التضامن الإفريقي
كمال الجزولي
مساء الرَّابع من يوليو/تموز الجاري، أُطفئت الثُّريَّات الضِّخام في القاعة الكبرى بمقرِّ الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا؛ حيث اختُتمت أعمال القمَّة الإفريقيَّة العاديَّة التَّاسعة والعشرين، بمشاركة ثلاثين رئيساً وملكاً، و4 نواب رؤساء؛ وذلك بعد يومين من الخطب الرَّنَّانة تحت شعار (تسخير العائد الدِّيموغرافي من خلال الاستثمار في الشَّباب)، وتداول (خريطة طريق) كان قد كُلف بإعدادها وتقديمها، في هذا الشَّأن، الرَّئيس التشادي إدريس ديبي، وشارك في مناقشتها ممثلون لشباب القَّارَّة، على أن تلتزم كلُّ دولة بتطبيق هذه الخريطة التي تتضمَّن أربع ركائز أساسيَّة: (1) التَّوظيف وريادة الأعمال (2) التَّعليم وتنمية المهارات (3) الصحَّة والرَّفاهيَّة (4) الحوكمة وتمكين الشَّباب.
حالما فرغ الرُّؤساء من خطبهم، راحوا يتحسَّسون أصداءها الإنجليزيِّة والفرنسيِّة (عظيمة الشَّأن)، وما قد يكون تُرجم منها، فوريَّاً، إلى العربيَّة أو العكس، ويستزيدون الثَّناء عليها، لدى (أصدقائهم) من الصَّحفيين والإعلاميين المنتشرين في الرَّدهات، بينما راح مساعدوهم يلملمون إضباراتهم، يزنِّرونها، ويرتَّبونها في حقائب الملفَّات الجلديَّة الأنيقة، استعداداً للعودة إلى عواصمهم.
هكذا عكفت القمَّة، خلال يومين فقط، على أجندة مكتظة بالأشغال لحدِّ الفيض، طرحتها على مائدتها مفوَّضيَّة الاتِّحاد الجَّديدة برئاسة التشادي موسى فكي، دون فرق يذكر بين معظم قضايا هذه الأجندة، والقضايا السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة المشمولة بالأجندة القديمة التي لطالما ظلَّ معظمها شاخصاً، قبل وبعد كلِّ القمم السَّابقة، التي لطالما شكَّلت نفس (التَّحدِّيات الكبرى) التي تجابه القَّارَّة في الوقت الرَّاهن. من هذه (التَّحدِّيات) الإصلاح المؤسَّسي للاتِّحاد نفسه، وفق تقرير كُلف به الرَّئيس الرُّواندي بول كاغامي؛ وإنفاذ مقترح تمويل الاتِّحاد من الموارد الذَّاتيَّة، الذي كانت أجازته قمَّة كيغالي في يوليو 2016، ويقضي بسداد الدُّول الأعضاء من بنوكها المركزيَّة ما مقداره 0.02% كضريبة على وارداتها؛ وأيضاً الموقف من إصلاح وتوسيع مجلس الأمن الدَّولي، وفق تقرير الرَّئيس السِّيراليوني إرنست كوروما، وكذلك قرار الانسحاب الجَّماعي من المحكمة الجَّنائيَّة الدَّوليَّة، علماً بأنه (غير ملزم)، وكانت أصدرته قمة أديس أبابا في يناير/كانون الثاني الماضي. ومن (التَّحدِّيات) القديمة الجَّديدة أيضاً فضُّ النِّزاعات المسلحة، وصون الأمن والسِّلم في القارَّة، ومكافحة الإرهاب، وبالذَّات حركة (الشَّباب) في الصُّومال، وجماعة (بوكو حرام) في حوض بحيرة تشاد ودولة بنين، خصوصاً بعد أن هدَّدت تشاد، جرَّاء نقص التَّمويل، بسحب قوَّاتها التي تحارب الجَّماعة هناك، ومع الأخذ في الاعتبار بتحذير الرَّئيس الجَّزائري عبد العزيز بوتفليقة، في مذكِّرة تليت نيابة عنه أمام القمَّة، من أن هناك أكثر من خمسة آلاف إفريقي ينشطون فى صفوف الجَّماعات المتطرِّفة، داخل القارَّة وخارجها، وقد أضحوا يشكِّلون تهديداً يستدعى التَّنسيق لمواجهته، بتطوير التَّعاون بين الدُّول الأعضاء فى جمع المعلومات الاستخباريَّة عن المقاتلين الأجانب، وتحسين المعرفة بملامحهم، ومنع تنقُّلهم عبر مختلف الوسائل، ونقاط الدخول والعبور، وتحسين إدارة الحدود. ومن هذه (التَّحدِّيات)، كذلك، الأوضاع المتردِّية في جنوب السُّودان، ونشر قوَّة حماية إقليميَّة هناك؛ وكذلك الأوضاع في ليبيا التي تشهد انقساماً حاداً بين الأطراف الدَّوليَّة والإقليميَّة، وكذلك الأوضاع في بورندي، وإفريقيا الوسطي، والكونغو الدِّيمقراطيَّة، والنِّزاع الحدودي المتوتِّر منذ 2008 بين جيبوتي وإريتريا، وعموماً كيفيَّة تنفيذ خريطة طريق عمليَّة لإسكات البنادق في إفريقيا بحلول عام 2020؛ وإلى جانب ذلك مكافحة الهجرة غير الشَّرعيَّة؛ والإتجار بالبشر؛ وقضايا الشَّباب والبطالة، والمرأة والتَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والشَّراكة بين الدُّول الأعضاء، فضلاً عن القرار الخاص بإعلان العام القادم 2018 (عام إفريقيا لمكافحة الفساد). وفي الأوَّل من يوليو الجَّاري كشف عبد الله حمدوك، رئيس اللجنة الاقتصاديَّة الأمميَّة الخاصَّة بإفريقيا، أمام الدَّورة الحادية والثَّلاثين للمجلس التنفيذي للاتِّحاد، عن الأثر السَّالب للتَّدفُّقات الماليَّة غير الشَّرعيَّة على التَّنمية في القَّارَّة التي تخسر، بسبب ذلك، 80 مليار دولار سنوياً، داعياً إلى الحدِّ من هذه التَّدفُّقات، وترقية التَّعمير في إفريقيا؛ للمساهمة في تحقيق النَّجاعة الاقتصاديَّة، وتكثيف المبادلات التِّجاريَّة، والاستثمار المحلي، والتَّكامل الإقليمي، كما شدَّد على تحسين تسيير الاقتصاد الكُّلي، ومناخ الأعمال في القارَّة، معتبراً أن الحكم الرَّشيد والإصلاحات الاقتصاديَّة ضروريان لجذب الاستثمارات، وأن رأس المال البشري عامل أساسي في التَّنمية.
كلام جميل من خبير لا ينقصه الإخلاص، لكن تنقصه، للأسف، سلطة القرار التي يملكها، حصريَّاً، الرُّؤساء والملوك. وفي مؤتمر صحفي أعقب الجَّلسة الختاميَّة قال ألفا كوناري، رئيس الاتِّحاد: «إن الإصلاحات التي اعتمدتها القمَّة.. مهمَّة لتحقيق مشروعات التَّنمية وآمال الشُّعوب الإفريقيَّة»، لكنه، للأسف، لم يوضِّح طبيعة هذه الإصلاحات! وأضاف: «إن هناك من اعتادوا التحكُّم في مصالح إفريقيا»، لكنه، للأسف أيضاً، لم يكشف عنهم!
ما ينبغي أن تعيه شعوب القَّارَّة، وفي مقدِّمتها.. وطنيُّوها الدِّيموقراطيُّون، هو علويَّة الأفعال على الأقوال، فكلُّ (أجندات) التَّضامن الإفريقي، بالغاً ما بلغ احتشادها بالقضايا، تبقى بلا فائدة إن هي أغفلت الشَّرط الأساسي لتطوُّر القَّارَّة وازدهارها، وهو الشَّرط المتمثِّل في حلِّ معضلة الفساد.Original Article