قضايا ودراسات

شيطنة روسيا سياسة خطرة

يوري همبر *
أصبحت روسيا اليوم تتصدر الأجندة السياسية الأمريكية باعتبارها العدو الأكبر – والأسوأ – للولايات المتحدة.
في أواخر يونيو/ حزيران، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً مطولاً حول ما وصفته بأنه مخطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتخريب انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، واعتبرت هذا المخطط المزعوم «جريمة القرن» السياسية. وجاء التقرير في ذروة حملة في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، تصوّر روسيا على أنها العدو المتربص الذي يسعى إلى تقويض ديمقراطية فاضلة.
والخلاصة من هذه الحملة الإعلامية الأمريكية هي: إما أن تعتبر روسيا شريرة، وإما أن تكون عدواً للعالم الحر.
إن مثل هذا الموقف الثنائي سخيف، وانتقائي في سرده للأحداث، وخطر. وأنا لا أشير فقط إلى الترسانة النووية التي تملكها روسيا وإمكانية حرب باردة جديدة، وربما حتى حرب فعلية. إذ إن تصوير روسيا مرة أخرى على أنها قوة شريرة، إنما يتجاهل حقيقة أن بلداناً أخرى لديها مصلحة مشروعة في التنافس مع الولايات المتحدة من أجل النفوذ الجيوسياسي – بما في ذلك داخل الولايات المتحدة.
وهذا الموقف الثنائي يتجاهل أيضاً مختلف المخططات والمناورات الغربية ضد المصالح الروسية خلال العقدين الأخيرين، بما في ذلك توسع حلف الأطلسي، ونشر أنظمة دفاع صاروخي في شرق أوروبا، والحرب ضد صربيا من أجل فصل كوسوفو.
ومن الممكن تماماً أن يكون بوتين قد نسّق حملة لدعم دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، باعتباره سياسياً يمكن التفاهم معه، خلافاً لمنافسته هيلاري كلينتون.
والولايات المتحدة لديها حق مشروع في إجراء تحقيق حتى تستطيع حماية عمليتها السياسية من تدخل خارجي. ولكن هل من المشروع رفض فكرة أن روسيا تصرفت من أجل حماية مصالحها؟ إن مجرد تعارض مصالح روسيا مع مصالح الولايات المتحدة لا يجعلها العدو رقم واحد. ولكن إعادة الترويج للرواية القائلة إن روسيا «إمبراطورية شر»، كما وصفها الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، تلقى استجابة لدى الرأي العام الأمريكي، لأن هذا الوصف مألوف للأمريكيين. وتقرير «واشنطن بوست» الأخير يدعو إلى «معاقبة» روسيا، كما لو أنها ولد شقي وليس دولة تعمل من أجل مصالحها الخاصة.
وبالنسبة لأولئك الذين يقولون إن روسيا تجاوزت خطاً أحمر غير معلن خلال انتخابات أمريكا 2016، أقترح عليهم أن يقرأوا دراسة للباحث لدى المنظمة الأهلية الأمريكية «الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية» دوف. ليفين، بعنوان «عندما تصوّت قوة كبرى». فقد وجد ليفين أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي/ روسيا كانتا تتدخلان في انتخابات واحدة من بين كل تسعة انتخابات نظمت عبر العالم خلال الفترة من 1946 إلى 2000. ووجد ليفين أيضاً أن الولايات المتحدة تدخلت في 81 انتخاباً في دول أجنبية مقابل تدخل روسيا في 36 انتخاباً.
وماذا نقول بشأن إعلان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق إيهود أولمرت صراحة، إن بنيامين نتنياهو سعى إلى دعم حملة المرشح الرئاسي الأمريكي ميت رومني ضد منافسه باراك أوباما في انتخابات 2012؟
وماذا نقول بشأن إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي (الشرطة الاتحادية الأمريكية) في 1997 عن اكتشاف أدلة على أن الصين قدّمت مساهمات مالية غير مشروعة إلى اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي؟
وما أشرنا إليه أعلاه ينطبق أيضاً على بلدان أخرى تعتبرها الولايات المتحدة حليفة لها.
هناك بالتأكيد أسلوب أفضل للتعامل مع روسيا، هو التحاور معها كلما كان ذلك ممكناً. وهذا لا يعني أنه يجب إظهار الود تجاه بوتين، بل يعني التعامل معه من أجل إيجاد أرضية مشتركة بشأن قضايا حقيقية.
والغرب ليس ملزماً بأن يبدي إعجاباً ببوتين أو بما يفعله. وهو ليس ملزماً بالامتناع عن توجيه أي انتقاد إلى روسيا ورئيسها. ولكن حيث إن الأمر يتعلق بالتعامل مع قوة تملك ترسانة نووية جبارة، فإن تعامل الولايات المتحدة مع روسيا كعدو، يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى حرب عالمية أخرى.
فهل هذا ما تريده الولايات المتحدة حقاً؟

* صحفي حائز جوائز وخبير في شؤون
روسيا، واليابان، وإيران ودول أخرى – موقع «آسيا تايمز»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى