قضايا ودراسات

صوت عربي خليجي واحد

يوسف أبولوز

طالما كان الشعر، ومنذ أزمان طفولته وبراءته.. مناهضاً شرساً للطغيان، سواءً أكان طغيان أفراد أم طغيان دول ترعى الإرهاب وتطعمه من خيرات بلادها، وبدلاً من أن تذهب ثروات تلك الدول نحو التنمية والإعمار والاستثمار في الإنسان وفي طاقاته الإبداعية الحية تنحرف بوصلة الثروة إلى الإنفاق على المرتزقة وتجار الموت وبياعي العقائد والإيديولوجيات النفعية الكاذبة.
يقف الشعر المبدئي مع الحق ومع الإنسان في ذروة نظافته البشرية، وكان «نيرون» يحرق روما بنرجسيته وشعوره المتضخم بالقوة والغرور، وكأن لا وراءه ولا أمامه من أحد.. غير أن التاريخ له دائماً خاصية الذاكرة التي لا تموت، والشعراء هم الآخرون من صناع التاريخ وحفظته.. هكذا ذهب نرجسي روما إلى الإهمال والنسيان، ولكن سيرته الكارثية ظلت متداولة حتى اليوم على ألسنة الشعراء، وما من ديكتاتور صغير أو كبير باع بلاده للشيطان وتخلى عن أصله وشعبه وبلاده وأهله، إلا وكان موضع هجائيات مرة بأقلام وألسنة شعراء أُعتبرت قصائدهم وثائق وشهادات على البؤس الذي ألحقه كل غادر ببلاده وتاريخه.
إن استجابة الشعر وتفاعله مع الأحداث المفصلية المهمة في تاريخ الشعوب هي دائماً الاستجابة الأسرع من أي فن آخر، والشاعر في هذه الحالة يصبح موثقاً وشاهداً ومؤرخاً باللغة والأدب من دون شعار سياسي طنان ومن دون تعبئة مسبقة. ولعل الشعر الشعبي بوجه خاص أسرع استجابة من الشعر الفصيح، ذلك أن الشاعر الشعبي يوظف بسرعة وبعمق أيضاً لهجته المحلية عندما ينفعل مع حدث تاريخي أو سياسي أو اجتماعي، فاللهجات المحلية الشعبية هي روح الإنسان وشكل من أشكال قدرته الذاتية الداخلية على المشاركة في إعطاء موقف هو في النهاية موقف وطني لا يعرف الحياد.. ويتقدم هذا الموقف إلى طليعة الرأي الحر، ويتحول إلى نوع من السلاح المدني المؤثر.
أكتب كل ذلك، وقد قرأت أمس في الخليج بإعجاب فكرة الشاعرة الإماراتية الشعبية مريم النقبي التي سرعان ما تحولت إلى تطبيق عملي.. جاءت الفكرة أولاً ببيتين من الشعر بعنوان «صوت واحد»:
دعوة للشعّـار وأرجـو الانتبـاه أطلقوها بصوت واحد كلنا
من يهدد أمن جاره ما نبـاه ولا يشـرفـنـا وجـوده بيـنـنـا
على الفور استجاب لدعوة أو مبادرة الشاعرة مريم النقبي 100 شاعر وشاعرة كل منهم كتب بيتين على الوزن نفسه، وعلى القافية نفسها من الإمارات، والسعودية، والبحرين، والكويت، وفلسطين.. لنكون أمام سردية شعرية ملحمية مشتركة.. ليست مشتركة فقط في اللغة والشعرية والفنية الإبداعية فقط، بل، ومشتركة أيضاً في الوجدان ونبض القلب.. نص مشترك أيضاً في الروح وفي العاطفة وفي التجاوب الشعري الذي يعكس وحدة الإبداع الشعبي في مواجهة كل شكل من أشكال التطرف والعنف والإرهاب المصنع بعقول مريضة مسمومة بالعناد وحب الذات.
«صوت واحد».. في وطن واحد.. هتاف جماعي حقيقي من أجل الولاء لخليج المحبة والسلام كما جاء فعلاً في التقديم لحزمة هذه الأشعار العفوية التلقائية الشجاعة أيضاً والمنسجمة مبنى ومعنى مع الرؤية الخليجية الموحدة في وجه الارتماء المعيب في حضن الغريب.. والإيواء اللاشرعي واللاأخلاقي لخلايا التخريب والتضليل في المنطقة بأسرها.

y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى