قضايا ودراسات

صيف عربي ساخن

عاصم عبد الخالق
كل الشواهد تؤكد أننا في مستهل صيف عربي ساخن وربما ملتهب. ولم تكن مفاجأة أن نجد ما يدعم هذا الاستنتاج في الجزء الخاص بالشرق الأوسط من تقرير معهد ستراتفورد البحثي الشهير عن توقعات الربع الثالث من العام والذي صدر الأسبوع الماضي. لن يلتقط الجمهور العربي أنفاسه اللاهثة، وهو يتابع المآسي المحيطة به من سوريا إلى ليبيا ومن اليمن للعراق مروراً بالخليج. ولا ننسى فلسطين فهي في القلب دائماً: قلب الأزمات وقلب المواطن العرب الموجوع.
خلاصة ما يذهب إليه تقرير ستراتفورد أن الأوضاع العربية مرشحة لمزيد من التدهور والتصعيد. سيتواصل قتال الإخوة الأعداء في ليبيا. وكما هو الحال في سوريا واليمن لن يستطيع أي طرف أن يحقق انتصاراً نهائياً حاسماً.
على الجانب الفلسطيني ليس من المتوقع تحقيق انفراجة في جهود السلام، ومن غير المستبعد أن ينفجر الوضع في غزة إما بفعل عدوان «إسرائيلي» جديد، أو تحت وطأة الضغط الذي يواجهه القطاع، خاصة بعد أزمة الكهرباء الأخيرة. ونتيجة لهذا الضغط والحصار السياسي والعسكري والاقتصادي سيزداد التقارب بين حماس وإيران.
في سوريا سيتواصل الحشد العسكري للقضاء على آخر معاقل «داعش» في الرقة. غير أن الصراع الحقيقي لن يكون مع «داعش» ولكن بين القوى المتنافسة التي تلتقي حول هدف القضاء على التنظيم الإرهابي ثم تفترق وتتصارع حول كل شيء بعد ذلك. العداء بين تلك القوى المحلية والإقليمية والدولية أشد ضراوة وعمقاً من عداء إي منها ل «داعش».
ومن غير المستبعد حدوث صدام بين هذه القوى عقب الفراغ من معركة «داعش»، بسبب السباق المستعر حالياً للزحف صوب الحدود العراقية في الشرق والشمال الشرقي. يسعى كل طرف للسيطرة على تلك المنطقة لسبب مختلف.
للولايات المتحدة تواجد عسكري مباشر في المنطقة، وهي تدعم قوات سوريا الديمقراطية «الكردية» وبعض الفصائل المسلحة الأصغر. ويسعى هذا المعسكر لإحكام سيطرته على الشرق ليصبح منطقة تمدد كردي على جانبي الحدود العراقية- السورية. وتصب هذه النتيجة في صالح واشنطن الحليف الأكبر للأكراد والتي تريد أيضاً تأمين المنطقة كنقطة ارتكاز لقواتها.
في المقابل فإن القوات الحكومية السورية مدعومة من إيران وروسيا، ترى أن استعادة هذه المنطقة يمثل نصراً كبيراً يكفل لها استعادة السيطرة على معظم التراب السوري. أما إيران فلها مصلحتها هي الأخرى، حيث ترى في الشرق السوري موقعاً فريداً لبناء جسر بري أو معبر إمداد يربط بين طهران ودمشق وصولاً إلى البحر المتوسط. يستحق هذا الإنجاز الاستراتيجي الهائل أن تخاطر طهران بتحدي الولايات المتحدة، وتجاهل التحذير العلني الذي وجّهته إليها واشنطن من التقدم شرقاً. وربما تجد إيران في دعم الأسد لخوض هذه المعركة، ما يغنيها عن التورط في مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية.
وستجد روسيا نفسها مدفوعة هي الأخرى لزيادة دعهما للأسد، لخوض المعركة نفسها، ولكن لسبب آخر يتعلق بسعيها لتقليص الوجود الأمريكي أو توريط واشنطن في مواجهات مع قوات النظام أو جماعات أخرى. ثم إن سيطرة الحليف السوري على الشرق يعني أن طريق روسيا أصبح مفتوحاً من سواحل المتوسط، حيث قواعدها إلى عمق الأراضي السورية وصولاً للعراق.
أخيراً يواجه العراق تحديين كبيرين، الأول هو استفتاء الاستقلال الذي يسعى الأكراد إلى تنظيمه في الشمال في سبتمبر المقبل، وهو ما يعني تقسيم الدولة رسمياً إذا جاءت النتيجة بالموافقة، كما هو متوقع. لن تسمح بغداد بذلك إن استطاعت، وستسعى لنسفه قبل حدوثه. ولن تقف إيران وتركيا مكتوفتي الأيدي، وهما تشاهدان استقلال أكراد العراق الذي سيحيي آمال أكراد البلدين في تحقيق حلمهم التاريخي المؤجل بالاستقلال.
التحدي الثاني وهو قنبلة موقوتة أخرى، هو قانون الانتخابات المتعثر في البرلمان العراقي. وإذا فشل المجلس في إقراره تمهيداً للانتخابات في الربع الأول من العام المقبل، فإن الكتل السياسية المتصارعة ستنقل معركتها إلى الشارع. والتيار الصدري هو الأكثر تأهباً لذلك، والسوابق تشهد بأن النتائج دائماً تكون مدمّرة.

assemka15@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى