ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب
تأليف: نارزانين ماسومي /وتوم ميلز وديفيد ميلر/ ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
تتعرض صورة المسلمين إلى تشويه كبير في الغرب، بسبب ربط أفعال المتطرفين والإرهابيين بهم، من دون التعمق في حقيقة أن هذه الثلة الظلامية لا دين لها، وتلفظهم الأمة الإسلامية وتنبذهم أساساً.. لكن لماذا هذا التعميم؟ كيف يحدث؟ يحاول المساهمون في هذا العمل القيّم تسليط الضوء على ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وتوضيح أن العنصرية الناشئة في الغرب ليست مجرد نتاج للإيديولوجية بل شكلتها مجموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية. ويناقشون الاستراتيجيات القائمة لمعالجة هذه القضية المتنامية، ويقدمون نهجاً مختلفاً للتصدي للتحيز الممارس ضد المسلمين بطريقة خاطئة.
في الوقت الذي يزداد فيه ترسّخ التيارات الباطنية المعادية للمسلمين في الولايات المتحدة والمجتمعات الغربية الأخرى، فإن ظاهرة الخوف من الإسلام أو ما يعرف اصطلاحاً ب«ظاهرة الإسلاموفوبيا» – والحاجة إلى فهم ما يديمها – باتت أكبر من أي وقت مضى. ومن خلال انتقاد الاتجاهات السائدة، المحافظة، يقدم هذا العمل بديلاً مهماً وضرورياً للأدبيات الموجودة حول الإسلاموفوبيا، وذلك من خلال تحليل ما يطلق عليه المحررون الصحفيون «الأركان الخمسة للإسلاموفوبيا».
يقول مؤلفو ومعدّو هذا الكتاب نارزانين ماسومي وتوم ميلز وديفيد ميلر في بدايته: «على الرغم من النمو الكبير في الكتابة عن ظاهرة الإسلاموفوبيا في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال هناك عدم اتفاق واضح حول تعريفها. من أين جاءت؟ وكيف ترتبط بالأشكال الأخرى من العنصرية؟، ويضيفون: «في الحقيقة، بعد عقدين من دخول المصطلح إلى الاستخدام العام في العالم الناطق بالإنجليزية، إلا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تزال غير معترف بها عالمياً كشكل من أشكال العنصرية. والحال كذلك في القطاع الأكاديمي، حيث الأدبيات عن العنصرية لا تزال منفصلة بشكل كبير عن الأعمال حول الإسلاموفوبيا. وعدم الاهتمام النسبي بالإسلاموفوبيا من قبل علماء الاجتماع المختصين في قضايا العنصرية مفاجئ بالنظر إلى النمو المتزايد في العداء تجاه المسلمين في السنوات الأخيرة، والتي لا يمكن أن تمضي دون أن يلاحظها أحد».
فهم الصراع
يعدّ هذا الكتاب الصادر حديثاً باللغة الإنجليزية تحت عنوان «ما هي الإسلاموفوبيا؟ العنصرية والحركات الاجتماعية والدولة» عن دار «بلوتو برس» البريطانية في 304 صفحات من القطع المتوسط، نتاجاً من نتاجات مؤتمر «فهم الصراع» الذي نظمته جامعة باث البريطانية قي يونيو/حزيران 2015. وهو عبارة عن مجموعة مشاركات لعدد من الكتّاب والباحثين البارزين تم نشر بعضها في موقع «أوبين ديمكراسي».
وبالنسبة لمحتوياته، يتكون من أربعة أجزاء: الجزء الأول يحتوي على مقدمة: ما هي الإسلاموفوبيا؟ ويحتوي على فصل واحد بعنوان «الإسلاموفوبيا والحركات الاجتماعية والدولة: لأجل نهج محوره الحركة» بقلم نارزانين ماسومي، ديفيد ميلر، توم ميلز.
يقدم المؤلفون في هذا الفصل مفهوم الإسلاموفوبيا من الناحية النظرية والتجريبية والسوسيولوجية، الذي يركز ليس على خصائص المسلمين، بل على الممارسات السياسية في الدول الغربية. وفي هذا الصدد، نهجهم يختلف كثيراً عن الأعمال الموجودة عن الإسلاموفوبيا، التي مالت إلى التركيز على السياقات المتصارعة حول المواطنة، والهوية، والانتماء، والسيادة القومية.
وعلى النقيض من ذلك، يقدمون مناقشة لتأمل الإسلاموفوبيا ليس ببساطة كنهج إيديولوجي أو منطقي صرف، بل كفعل اجتماعي محدد تم خلال السعي وراء مصالح معينة. ويعلقون على ذلك: «من وجهة نظرنا، التركيز فقط على الهويات الدينية والثقافية وحتى السياسية للمسلمين يقدم فقط نظرة متحيّزة عن الإسلاموفوبيا». يناقشون في هذا الفصل «الأركان الخمسة للإسلاموفوبيا»، وهي: مؤسسات وآليات الدولة، حركة الجهاد المضاد، حركة المحافظين الجدد، الحركة الصهيونية العابرة للحدود، والمجموعات الليبرالية المتنوعة، بما فيها اليسار المؤيد للحرب وحركة الملحدين الجديدة. معلقين على ذلك: «نقصد بهذا أن هناك فاعلين (أركان) اجتماعيين محددين يقومون بإنتاج الأفكار والممارسات التي تلحق ضرراً بالمسلمين». ويشيرون إلى أن الدولة (دول الغرب) في مقدمة هؤلاء، وبشكل خاص نتيجة نشاطات جهاز مكافحة الإرهاب.
ويقترح المؤلفون هنا إطاراً تحليلياً لأجل الحركات الاجتماعية الذي من شأنه أن يسمح بتحديدها من الأعلى إلى الأسفل، ونترجمها: أولاً: الظهور، من أي وسط؟ ومن أي صراعات سياسية واجتماعية وأزمات ظهرت الحركة؟ ثانياً: الموقع السياسي والشكل التنظيمي.. في أي نظام تعمل؟ حركة تركز على الشوارع، أم تخترق أروقة السلطات؟ هل التنظيم في حركتهم هو عضوية تنظيمية أم خلية فكرية أم مجموعات سياسية؟ مع أي من الحركات والمجموعات الأخرى يشكلون التحالفات أو يطورون العداوات؟ ثالثاً: الاستراتيجية والأهداف: ما الأفكار والمطالب السياسية أو وصفات السياسة العامة التي يقدمونها؟ ما الحملات المحددة التي قاموا بتعبئة الجماهير فيها؟ رابعاً: النتائج: ما النتائج المقصودة وغير المقصودة للحركة؟
مكافحة الإرهاب
الجزء الثاني جاء بعنوان «الإسلاموفوبيا ومكافحة الإرهاب والدولة» ويحتوي على أربعة فصول هي: «الإسلاموفوبيا كإيديولوجية الإمبريالية الأمريكية» بقلم آرون كوندناني، «الإسلاموفوبيا والإمبريالية: نهج محلي – دولي لدراسة العنصرية المعادية للمسلمين» بقلم ديبا كومار، و«نموذج مكافحة الإرهاب في بريطانيا: العنصرية الهيكلية وقضية مهدي هاشي» بقلم عاصم قريشي، و«الحرب على الإرهاب والهجوم على المجتمع المدني الإسلامي» بقلم شيناز بونجلاوالا.
ونتوقف عندما يقوله آرون كوندناني الذي يرى أن «كل الإمبراطوريات تحتاج العنف لتطيل عمرها. والعنف الذي أدامته القوى الإمبريالية في المحيط دائماً ما يرتد، بشكل أو بآخر، إلى المركز. في الأزمنة الحديثة، ذلك العنف دائماً ما يضطلع بشخصية عنصرية». ويشير إلى أنه منذ عقود، تعتبر السياسة الخارجية الأمريكية الشرق الأوسط أكثر المناطق الإشكالية في خريطتها الذهنية للعالم، التي تبدو فيها المقاومة للإمبريالية الأمريكية أقوى، خاصة ضد حليفتها الإقليمية الأساسية «إسرائيل». وفي السياق ذاته، أصبح «التهديد الإسلامي» نوعاً من اللاوعي الجمعي للنخبة الأمريكية الحاكمة.
ويضيف كوندناني: «في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة وما بعدها، تم رسم الإرث الاستعماري الأوروبي عن الاستشراق كمستودع من الأساطير لبناء عدو إيديولوجي جديد. فبدلاً من رؤية الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة نضال وكفاح ضد الاحتلال العسكري، أصبح مناسباً لهم أكثر التفكير بأن العرب متعصبون أساساً، وبكلمات أخرى، المشكلة هي «ثقافتهم» (ثقافة العرب)، وليست «سياستنا». ومع الحرب على الإرهاب، أصبح الخطاب معمماً على كل المسلمين، وأصبح دينهم بطريقة ما عرضة للعنف على نحو خاص. مفردات «الإرهاب»، «التطرف»، «الراديكالية» طبقت عليهم بشكل انتقائي لكي يتم ربط المسلمين بشكل ممنهج مع العنف الناشئ عن التعصّب. وبالتالي العنف الخاص بالحكومة الأمريكية – التعذيب، وأهداف الطائرات من دون طيار، والغزوات العسكرية، وغيرها – يمكن أن تكون طبيعية حين ذاك بسهولة». ويضيف: «الإسلاموفوبيا الأمريكية بالتالي تتضمن، من بين أشياء أخرى، تسييس معارضة المسلمين للإمبريالية، والتبني الثقافي للصراع بين «الإسلام» و«الغرب»، وإزالة الشرعية الإنسانية عن العنف الممارس بحق المسلمين، ما أنتج أعداداً كبيرة من الوفيات في أفغانستان، العراق، باكستان، فلسطين، الصومال، اليمن وغيرها»، مؤكداً أن القطاع الأكاديمي أيضاً في الولايات المتحدة لم يعر الكثير من الاهتمام بالارتباطات التاريخية بين العنصرية والإمبريالية، ولم يقم بتحليل التفاعل الحاصل بين الإسلاموفوبيا والحرب على الإرهاب.
صناعة الإسلاموفوبيا
يأتي الجزء الثالث بعنوان «الحركات الاجتماعية من الأعلى» محتوياً على ستة فصول هي: «التحيز السائد ضد المسلمين: صعود صناعة الإسلاموفوبيا في السياسة الانتخابية الأمريكية» بقلم ناثان سي. لين، الذي يقول إنه في العقد الأخير وجّه الأكاديميون والناشطون وغيرهم ممن يعملون على قضية التحيز ضد المسلمين أو الإسلاموفوبيا، بشكل كبير اهتمامهم لآلياتها. ففي الإعلام، وعالم المدونات، والأوساط السياسية، وفي الشبكات الشعبية، غالباً ما يكون هدفهم نفسه هو: إثارة القلاقل بشأن التهديد المزعوم الذي يفرضه دين الإسلام وأتباعه، والدفاع عن السياسات التي تهدف إلى إحباط ذلك التهديد. ويسمّي ناثان هذا الأمر ب«صناعة الإسلاموفوبيا»، كما يقف عند شبكات تمويله عبر الأفراد والمؤسسات.
أما باقي الفصول، فتأتي في السياق ذاته، وهي «الإرهاب المتخفي: الرايات السوداء والسيوف البلاستيكية وأسلحة الاضطراب الجماعي في أستراليا» بقلم سكوت بوينتينج وليندا بريسكمان، و«الإسلاموفوبيا، مكافحة التطرف، وحركة الجهاد المضاد» بقلم هيلاري آكيد، و«الشبكة العابرة للحدود: تمويل الإسلاموفوبيا والمستوطنات «الإسرائيلية»» بقلم سارة ماروسيك، و«حركة المحافظين الجدد: النخب الفكرية كعناصر نخبوية للحركات الاجتماعية من الأعلى» بقلم توم جريفين، ديفيد ميلر، وتوم ميلز. و«الحركات الليبرالية واليسارية وصعود الإسلاموفوبيا» بقلم نارزانين ماسومي، ديفيد ميلر، توم ميلز.
استراتيجيات جديدة
يأتي الجزء الرابع والأخير من الكتاب بعنوان «العودة إلى القتال» ليتضمن فصلاً واحداً هو «العودة إلى القتال: تحدي الدولة والحركات الاجتماعية من الأعلى» بقلم نارزانين ماسومي وديفيد ميلر وتوم ميلز. يطرح المؤلفون ضمن هذا الفصل المختصر في نهاية العمل ما يجب عمله لوقف تشويه صورة عموم المسلمين في الحياة الغربية العامة، ويجدون أن أول ما يمكن عمله هو أن أي استجابة سياسية مؤثرة لظاهرة الإسلاموفوبيا يجب أن تمضي إلى ما هو أبعد من الطرق والمناهج القائمة على الأفكار المحدودة. ورغم أن العديد من الناشطين قاموا بمحاولات لمعالجة صعود الإسلاموفوبيا من خلال تحدي الصور النمطية السلبية، على أمل تطمين العامة المشكوكين والعدائيين أن المسلمين ليسوا بمتطرفين أو إرهابيين، وأنهم لا يشكلون أي تهديد على الثقافة والقيم البريطانية في الواقع، وأن الإسلام هو دين السلام.
كما يجدون من الضرورة بمكان إظهار التضامن الفعلي مع ضحايا العنصرية، وليس كافياً فقط الدفاع عن المبادئ الليبرالية، ولا القيام بحملات لأجل إعادة صياغة السياسات والقوانين العنصرية. ويقولون: «التضامن مع المجتمع المسلم، وخاصة مجموعات المجتمع المدني المسلمة، يجب أن يكون مبدأ أساسياً من مبادئ مناهضة العنصرية الحالية». كما يؤكدون على جانب مهم في استراتيجية مناهضة العنصرية، وهي مواجهة بعض من في اليسار الذين يقدمون غطاء للإسلاموفوبيا.
نبذة عن المؤلفين:
} نارزانين ماسومي زميل ما بعد الدكتوراه في كلية علم الاجتماع بجامعة ليفربول، لها العديد من المؤلفات القيمة منها: «المرأة المسلمة والحركات الاجتماعية» و«الحرب على الإرهاب». وتركز حالياً على تأثير سياسة مكافحة الإرهاب وممارستها في التعليم العالي في المملكة المتحدة. إذ تعمل على مشروع بحثي حول دور سياسة المملكة المتحدة لمكافحة الإرهاب في تشكيل طبيعة مؤسسات التعليم العالي.
} توم ميلز محاضر في علم الاجتماع والسياسة في جامعة أستون في إنجلترا، ومؤلف كتاب «بي بي سي: أسطورة الخدمة العامة» وكتاب «نهاية الإمبراطورية: العنف والهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط». تدور اهتماماته البحثية حول مكافحة الإرهاب، الإعلام والاتصالات، النيوليبرالية وقوة الشركات، ويعمل في الوقت الراهن على فهم وشرح خبرات الإرهاب في الممارسة العملية.
} ديفيد ميلر أستاذ علم الاجتماع في جامعة ستراثكلايد في إسكتلندا منذ 2004، وكان يحاضر قبلها في دراسات الأفلام والإعلام في جامعة ستيرلنج، وهو مستشار لمحكمة بروكسل حول العراق، ومركز الصحافة الاستقصائية ومقرها في جامعة سيتي، لندن. تتركز الاهتمامات البحثية لديه حول الإرهاب ومكافحته، الاتصالات الاستراتيجية والدعاية والعمليات النفسية، الصحة العامة، وشبكات النفوذ، والاتصالات العلمية، مراكز التفكير، ومجموعات تخطيط السياسات ودور الأفكار في استنساخ هياكل السلطة. وله العديد من المؤلفات.