قضايا ودراسات

عاشق مراكش

يوسف أبولوز

لا يضاهي ولع الكاتب الإسباني خوان غويتيسيلو = رحل يوم الاثنين الماضي عن 86 عاماً = بمدينة مراكش المغربية التي عاش فيها ودفن، إلا ولع الشاعر اليوناني كفافي بمدينة الإسكندرية المصرية، فصاحب «انتظار البرابرة» ترك اليونان كلها، وترك ذاكرته المتوسطية من البلدان التي عاش فيها، واختار الإسكندرية.
«الإسكندرية.. ليه»، ربما لأنها مدينة شعر أو مدينة كتابة، ولكن الأهم من ذلك هو إلفة الناس، وإيقاع الحياة وطفولة المكان.. هل وجد «كفافي» كل هذا في الاسكندرية.. فعاش فيها وحيداً لكن ممتلئاً بالمدينة والحياة؟
السؤال ينسحب أيضاً على «غويتيسيلو» العاشق الكبير لساحة جامع الفنا في مراكش التي شد رحاله إليها في العام 1975، وقد ترك إسبانيا كلها وراء ظهره للجنرال فرانكو بعدما أحس بالاختناق في جو الديكتاتورية الطاغية في بلاده وقد سممت الحياة والثقافة والناس. غير أن من يقرأ حياة صديق الكتّاب المغاربة، ورفيق الناس في حواري المغرب يعرف أن سبب إقامة الرجل (الذي كان صديقاً مقرباً لـ«جان جينيه» الفرنسي الذي أحب طنجة بشكل خاص) في مراكش لم يكن فقط بسبب ديكتاتورية الجنرال فرانكو، بل، المدينة في ذاتها هي التي احتوت «غويتيسيلو» وجعلته أسيراً لها، وهنا أتذكر أن جاذبية مراكش لم تسحر «غويتيسيلو» وحده، بل هناك الإيطالي «إلياس كانيتي» الذي زار المغرب وعاش فيها، وألّف كتاباً في منتهى العذوبة بعنوان « أصوات مراكش» من خلال إصغائه لأصوات المدينة في الشوارع والساحات وأمام الحوانيت، ومن خلال الروائح والألوان والمشاهدات اليومية الممزوجة بما هو شعبي وأسطوري.
حكاية «خوان غويتيسيلو» مع مدينة عربية وجد فيها ذاته وكينونته البشرية، هي حكاية كاتب مبدئي أيضاً من الصعب أن يخون ضميره، فهو رفض جائزة «معمر القذافي الدولية للآداب» في العام 2009، وأرجع «غويتيسيلو» رفضه للجائزة آنذاك إلى أسباب سياسية وأخلاقية ، كما قال مع أن قيمة الجائزة كانت 150 ألف دولار وهو مبلغ جيد بالنسبة لكاتب لا يعيش إلا على كتبه، غير أن المبدأ يغلب المال كما يبدو، ولكن ليس دائماً، فهناك كتّاب كثر في العالم «يشحنون» مبادئهم وحتى أخلاقهم ويلقون بها في أقرب حاوية.. من أجل حفنة دولارات، وفي العام 1988 زار فلسطين وكتب مؤيداً حق الفلسطيني في أرضه، وأيد استقلال الجزائر، ورفض غزو بغداد، وتضامن مع مسلمي البوسنة، ونال جائزة محمود درويش.
لم يكن عيش «غويتيسيلو» في مراكش سلبياً أو سياحياً أو انطوائياً، فهو خاطب اليونيسكو لجعل ساحة جامع الفنا معلماً سياحياً واستجيب لطلبه ، كما جاء في تقرير للكاتب التونسي حسونة المصباحي، أضف إلى ذلك أن عاشق مراكش تأثر بالتراث العربي والإسلامي، وغذّى لغته بهذا التراث.
لم يكن صاحب «فضائل الطائر المتوحد» وحده من أحب العرب أو أحب مدينة عربية فعاش ومات ودفن فيها.. ولكن «غويتيسيلو» هو وحده من اختار المدينة، ورفض الجنرالْ.

y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى