عاصفة روسية – أوكرانية
علي قباجه
الهدوء الذي يسبق العاصفة، بدأ يلقي بظلاله على العلاقات المتوترة أصلاً بين الجارتين (روسيا وأوكرانيا)، اللتين لم تقبل أي واحدة منهما أن تهادن الأخرى؛ وهو ما أدى إلى تصاعد الأزمة بينهما إلى مستويات غير مسبوقة؛ وذلك على خلفية اعتراض الأولى ثلاث سفن؛ بذريعة اختراقها للسيادة الروسية، ودخولها المياه الإقليمية دون وجه حق، ولعل ما أجج الأمر هو دخول أطراف عدة على خط الأزمة، فلم تقتصر على الطرفين المتصارعين، حيث تنذر الأوضاع بحرب وشيكة، في ظل رفع كييف تأهبها الأمني بإعلان حالة الطوارئ على عشر مناطق حدودية مع روسيا، وهو ما أثار موسكو وجعلها ترد بالمثل؛ حيث قامت بحشد قطع عسكرية على حدود أوكرانيا.
ولم ترَ الدول الأوربية بُدّاً من الدخول في مساجلات الطرفين المتصارعين، لاسيما أنها تبحث عن شماعة لتحاصر بها روسيا، وتزيد من عزلتها؛ لذا اشتدت حدة الانتقادات الغربية لها، وخرجت قمة مجموعة ال20 في بوينس آيرس بنتائج تعلن صراحة ارتفاع سقف الاعتراض ضد روسيا؛ حيث هدد الرئيس الأمريكي ترامب بإلغاء اجتماعه مع الرئيس الروسي بوتين على هامش القمة، وأكد أنه «لا يوافق على هذا الاعتداء على الإطلاق»، في إشارة إلى قيام القوات البحرية الروسية بالاستيلاء على ثلاث سفن. وهو ما يشير إلى توتر كبير طغى على محاولات التوصل إلى تفاهمات عالمية؛ تنهي أزمة القرم، كما يؤشر التعامل الروسي مع السفن الأوكرانية إلى ضرب موسكو بكل العقوبات الغربية عرض الحائط، وتحديها، في رسالة مبطنة تؤكد من خلالها أنها لن تقبل المساس بها، ولو تطلب الأمر خوض حرب في سبيل ذلك، وتشير أيضاً إلى أن العقوبات المفروضة عليها لم ولن تستطيع أن تلوي ذراعها، ولن تُجبر على تنفيذ أجندات ورؤى دولية لا تناسب المقاس الروسي.
تدحرج الأمور على هذا النحو غير مبشّرٍ، فمن غير المستبعد أن تتطور الأزمة الحالية إلى حرب مدمرة، لا رابح فيها. فصحيح أن روسيا تملك قوة عسكرية جبارة ومدمرة، قد تحول أوكرانيا إلى خراب خلال ثوانٍ؛ لكن في الوقت ذاته لن يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي أمام التمادي الروسي وسطوته، فهو يتماهى سياسياً مع كييف؛ لتشابك المصالح بينهما بالعداء لروسيا، وتجلى ذلك مع فرضه عقوبات على موسكو؛ عندما سيطرت على القرم، ودعمت الانفصاليين، وفي حال تطورت هذه الأزمة فبالتأكيد أن النيران ستصل للجميع، وسيدخل العالم في مجهول لا تُحمد عقباه. وقد تكون هذه مقدمة لحرب شاملة لطالما تحاشاها الجميع. ولهذا حينما استشعرت أوروبا أن الأمر اشتد سعيره سعت للتوسط؛ لنزع فتيل التصعيد.
وبين إصرار روسيا بأن ما قامت به يعد بطولة، وتأكيد أوكرانيا أن ذلك يعد استفزازاً، يدخل العالم في حالة توتر لما ستؤول إليه الأمور؛ لذا فمن غير المستبعد أن يقدم الغرب تنازلات لروسيا؛ برفع بعض العقوبات، لامتصاص غضبها المتفاقم؛ نتيجة الحصار الاقتصادي المطبق المفروض عليها، والتحرش الأمريكي والأوروبي بها وإهانتهم المتكررة لها، فهل سينجحون في ذلك؟ أم أن موسكو ستستمر في مزاحمتها للعالم؛ لتعيد مجدها التليد، ويعود القيصر الروسي لسابق عهده؟ وهو ما سيضاعف المخاطر من مواجهات مستمرة!
العالم كله ينتظر لما ستؤول إليه الأحداث المقبلة، وهو يحبس أنفاسه في انتظار انقشاع هذه الغمامة؛ على أمل أن تحكم الأطراف عقلها وعدم وضع العالم على محك الفناء.
aliqabajah@gmail.com