عدّاد الدم
خيري منصور
لم يتوقف هذا العداد منذ بضع سنوات وله عدة حواسيب، ما دامت نشرات الأخبار تبقى متباعدة ولا تقبل التجمع. ولو كانت هناك نشرة إخبارية عربية واحدة، لما سلطت الإضاءة على زاوية من المشهد لتعتيم زاوية أخرى، ولما كان هناك مفاضلة بين شهيد وآخر.
لكن خضوع الفضاء لجاذبية الواقع السياسي حوّل بعض القنوات إلى غرف عمليات، فأصبح الانتقاء يقتضي حذفاً لحقائق، وأحياناً يتطلب اختراع أكاذيب بديلة تتناغم مع استراتيجيات سياسية وتلبي نوايا معينة.
عداد الدم لا يتوقف على مدار اللحظة وليس الساعة فقط، والضحايا أرقام بلا أسماء وأسوأ ما يمكن حدوثه في مثل هذه المشاهد المتكررة هو تحولها إلى شيء عادي ومألوف ما يبطل ردود الأفعال ويفرغ المشاهد أو المستمع من الشحنة العاطفية، وقد تكون المشاهد الدموية التي أصبحت المادة الرئيسية والعناوين لكل نشرات الأخبار مسبوقة في التاريخ، وهناك ما هو أشد فظاعة منها، لكن الماضي لم يكن كما هو الحال الآن قابلاً للرصد بالصوت والصورة.
ولو كان هناك قنوات فضائية في الحروب الصليبية أو غزو المغول للعراق وإغراق المخطوطات في النهر وتشييد أبراج من الجماجم لربما اختلف الأمر كثيراً. ولا يلوح في الآفاق الآن ما يعد أو يبشر بتوقف عداد الدم ما دام هناك تجار حروب وفقهاء طوائف وسماسرة إيديولوجيات.
وليس بمقدور أي آدمي الادعاء بالحياد إزاء ما يجري، لأن الصمت تواطؤ ومن يردد ما قاله جحا عن النار التي لا تعنيه ما دامت لم تصل إلى ثوبه سيلاقي مصيره البائس!
وقد أزف الوقت لتتحول الأسئلة إلى مساءلات قانونية وأخلاقية وعقائدية، فليس من المعقول أن ينشأ جيل عربي في خضم هذه التراجيديا ويدفع أثماناً باهظة لجرائم لم يقترفها بل ويرث حمولتها وآثامها وآلامها عن البالغين!
فمتى سيتوقف عداد الدم؟ فالعرب قتلوا وشردوا من بعضهم أضعاف ما فعل الأعداء بهم!