عشر خرافات عن «إسرائيل»
تأليف:إيلان بابي
ترجمة وعرض:نضال إبراهيم
يقع التاريخ في قلب كل صراع، وأي فهم صحيح، وغير متحيز للماضي يحمل معه إمكانية إقامة السلام العادل؛ لكن في المقابل، تحريف التاريخ يقود إلى كارثة، كما يظهر في النزاع الفلسطيني «الإسرائيلي»؛ حيث تمارس «إسرائيل» التضليل التاريخي بالسبل كافة، وبالتالي نجد أن سياسات سوء فهم التاريخ وتشويهه مستمرة إلى الوقت الحاضر، وتلعب جزءاً مهماً في استدامة الصراع، وهذا بدوره يبقي القليل جداً من الأمل لأجل المستقبل. يناقش هذه الفكرة الكاتب إيلان بابي من خلال دحض عشر خرافات روّجتها «إسرائيل» عن نفسها.
في هذا الكتاب الرائد الذي نشر في الذكرى السنوية الخمسين للاحتلال، يدرس المؤرخ «الإسرائيلي» الصريح والراديكالي إيلان بابي الأفكار الأكثر تناقضاً بشأن أصول، وهوية دولة «إسرائيل» المعاصرة. و«الخرافات العشر» التي يستكشفها بابي، والتي يتم تكرارها بلا نهاية في وسائل الإعلام، وينفذها الجيش بالقوة، وتقبلها حكومات العالم من دون شك، تعزز الوضع الإقليمي الراهن. ويستكشف بابي الادعاء «الإسرائيلي» أن فلسطين كانت أرضاً فارغة وقت إعلان بلفور، فضلاً عن تشكل الصهيونية ودورها في العقود الأولى لبناء الدولة «الإسرائيلية». ويتساءل عما إذا كان الفلسطينيون قد تركوا وطنهم طوعاً في عام 1948، وما إذا كانت حرب يونيو/حزيران 1967 «اللا خيار». ويتطرق بابي إلى الخرافات المحيطة بفشل اتفاقات «أوسلو»، والأسباب الرسمية للهجمات على غزة، كما يوضح كيف أن «حل الدولتين» لم يعد قابلاً للتطبيق.
ويقول إن «المغالطات المتشكلة عن الماضي والحاضر في «إسرائيل» وفلسطين تمنعنا من فهم أصول الصراع. وفي الأثناء، يلعب التلاعب المستمر بالحقائق المرتبطة بها ضد مصالح كل من أصبحوا ضحايا بفعل العنف، وسفك الدماء المستمر. فما الذي يجب فعله؟»، مضيفاً: «إن الرواية التاريخية الصهيونية عن كيف أن الأرض المتنازع عليها أصبحت دولة «إسرائيل»، قائمة على مجموعة خرافات من شأنها بالتالي أن تلقي الشكوك بوضوح على الحق الأخلاقي للفلسطينيين بالأرض. وغالباً ما يقبل الإعلام الغربي السائد، والنخب السياسية في الغرب بهذه المجموعة من الخرافات كحقيقة راسخة، إضافة إلى تبرير الأفعال «الإسرائيلية» آخر ستين سنة، أو ما شابه ذلك. ويوضح هذا القبول التام بهذه الخرافات عدم ميل الحكومات الغربية للتدخل في أي طرق مجدية لحل صراع مستمر منذ تأسيس «إسرائيل»».
يتحدى الكتاب هذه الخرافات التي تظهر للجمهور العام كأنها حقائق لا تقبل الجدل. ويقول عنها: «هذه الروايات، بالنسبة إلي، هي تلاعب كبير وتحريف يمكن – ويجب – أن يتم رفضه عبر معاينة أقرب للسجل التاريخي. والخيط العام الذي يجري عبر هذا الكتاب هو تلاحم الافتراض الشعبي والواقع التاريخي. ومن خلال وضع كل خرافة إلى جانب الأخرى مع الحقيقة، فإن كل فصل في هذا العمل يفضح ضعف الروايات التي يتم ترويجها عبر معاينة ومراجعة السجل التاريخي الأخير».
يأتي الكتاب في ثلاثة أقسام: «مغالطات الماضي»، و«مغالطات الحاضر»، و«النظر إلى المستقبل»، تضمنت عشر خرافات تبدو عامة ومعروفة لكل متابع، بطريقة أو أخرى، للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي». الخرافات والجدالات المضادة لها تتبع الترتيب التالي بحسب الفصول المتوزعة على الأقسام المذكورة.
مغالطات الماضي
يتكون القسم الأول من ست خرافات تاريخية في ستة فصول. يتناول الفصل الأول بعنوان «فلسطين كانت أرضاً فارغة»، خريطة فلسطين والتواجد البشري فيها عند وصول الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر. والخرافة هي تصوير أن فلسطين كانت أرضاً قاحلة، وخالية، وشبه صحراوية تمت زراعتها وتأهليها من قبل الصهاينة، إلا أن الكاتب يكشف في نقاشاته المضادة لهذه الخرافة كيف أن المجتمع الفلسطيني كان يتمتع بازدهار قبل قدوم الصهاينة، وكان يشهد الكثير من التحديث كمناطق حضرية، وسكان حضريين.
ويرى أن خرافة «فلسطين كانت أرضاً من دون شعب» لها ارتباط مع الخرافة المشهورة التي تفيد بأن «اليهود كانوا شعباً من دون أرض»، وهو عنوان الفصل الثاني، ويتساءل فيه إيلان بابي: هل كان اليهود حقاً القاطنون الأصليون لفلسطين، فاستحقوا الدعم بكل الطرق الممكنة لأجل «عودتهم» إلى «وطنهم»؟ هذه الخرافة تصر على أن اليهود الذين وصلوا في 1882 كانوا أحفاد اليهود الذين طردوا من قبل الرومان؛ لكن بابي يدحض هذه الخرافة من خلال ما طرحه العديد من المؤرخين الذين أثبتوا أن يهود فلسطين الرومانية لم يغادروا أرضهم، وكانوا أول من تحولوا إلى المسيحية، ثم إلى الإسلام. ويقول بابي هنا: «أكثر ما يهمني في هذا الفصل هو أنه في الفترة التي تسبق قدوم الصهيونية كان الارتباط بين المجتمعات اليهودية في العالم، وفي فلسطين دينياً وروحانياً، وليس سياسياً. وأن ربط عودة اليهود مع الدولة قبل ظهور الصهيونية كان مشروعاً مسيحياً حتى القرن السادس عشر، وبعد ذلك كان مشروعاً بروتستانتياً.
ويعاين في الفصل الثالث بعنوان «الصهيونية هي اليهودية» الخرافة التي يشيعونها حول أن الصهيونية تضاهي اليهودية (بالتالي معاداة الصهيونية يمكن تصورها فقط أنها معاداة السامية)، ويحاول بابي أن يدحض هذه الخرافة التي تساوي بين الاثنين عبر تقييم تاريخي لمواقف اليهود من الصهيونية، وتحليل التلاعب الصهيوني باليهودية لأسباب استعمارية، وفيما بعد، استراتيجية.
أما الفصل الرابع بعنوان«الصهيونية ليست استعماراً»فيناقش فيه الكاتب الادعاء الذي يقول إنه لا صلة بين الصهيونية والاستعمار. والخرافة هي أن الصهيونية حركة تحرر وطنية ليبرالية، في حين أن الجدالات المناهضة لها تؤطرها كحركة استعمارية، إلا أن بابي يؤكد أن الصهيونية في الحقيقة مشروع استعماري استيطاني مشابه لما رأيناه في جنوب إفريقيا، والأمريكتين، وأستراليا. ويعلق هنا «أهمية هذا التفنيد هو أنه يعكس كيف نفكر حول المقاومة الفلسطينية للصهيونية، وفيما بعد ل«إسرائيل». فإذا ما كانت «إسرائيل» مجرد ديمقراطية تدافع عن نفسها، بالتالي فإن الكيانات الفلسطينية مثل منظمة التحرير الفلسطينية هي «إرهابية» بشكل واضح بالنسبة إليهم. وعلى العموم، إذا ما كان صراع الصهاينة هو ضد مشروع استعماري، حينها فإنها حركة معادية للاستعمار، وصورتها الدولية ستكون مختلفة تماماً عن تلك التي تحاول «إسرائيل» وداعموها فرضها على الرأي العام العالمي».
ويعيد الفصل الخامس بعنوان: «الفلسطينيون تركوا بشكل طوعي وطنهم في 1948» النظر في الميثولوجيات المعروفة عما حدث في عام 1948، ويهدف بشكل خاص إلى تذكير القراء بأن ادعاء الهروب الفلسطيني الطوعي تم دحضه بشكل ناجح من قبل علماء التاريخ البارزين، كما يناقش الكاتب العديد من الأساطير الأخرى المتعلقة بالأحداث المأساوية في عام 1948 في هذا الفصل.
ويطرح الفصل السادس بعنوان «حرب يونيو 1967 كانت حرب اللاخيار»- وهو يعد الفصل التاريخي الأخير – تساؤلاً حول ما إذا كانت حرب 1967 مفروضة على «إسرائيل»، وبالتالي لم يكن أمامها خياراً آخر سوى خوضها. يرى بابي أن «هذه الحرب كانت جزءاً من رغبة «إسرائيل» لإتمام سيطرتها على فلسطين التي تمت تقريباً في حرب 1948. التخطيط لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بدأ في عام 1948، ولم يتوقف حتى سنحت «لإسرائيل» الفرصة التاريخية في يونيو/حزيران 1967». ويشير إلى أن السياسات «الإسرائيلية» بعد الحرب على الفور أثبتت أن «إسرائيل» كانت تتوقع الحرب أكثر مما أشيع أنها خاضتها بشكل فجائي.
مغالطات الحاضر
يضم القسم الثاني من العمل ثلاثة فصول مكملة للخرافات الست الأولى وهي: السابع بعنوان ««إسرائيل» الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، والثامن بعنوان «ميثولوجيات أوسلو»، والتاسع هو «ميثولوجيات غزة».
يناقش الكاتب من خلال الفصل السابع السؤال المطروح في الوقت الراهن: «هل «إسرائيل» دولة ديمقراطية؟»، ويشير إلى أن هذا الكيان غير ديمقراطي ببساطة» من خلال معاينة حالة الفلسطينيين داخل «إسرائيل»، وفي الأراضي المحتلة (يشكل مجموعهم معاً تقريباً نحو نصف السكان المحكومين من قبل «إسرائيل» بطريقة غير شرعية وغير ديمقراطية).
ويتعامل الفصل الثامن مع عملية مفاوضات أوسلو، إذ إنه بعد قرابة ربع قرن من توقيع الاتفاقية، يرى أنه «لدينا الكثير من المغالطات المرتبطة بالعملية، ويمكننا التساؤل عما إذا كانت عملية سلام فاشلة، أم خدعة «إسرائيلية» ناجحة لتعميق الاحتلال؟». أما في الفصل التاسع فيختار بابي اتجاهاً جديداً في طرحه ونقاشه، ليقدم تفسيراً مختلفاً عما حدث في غزة منذ القرن الماضي.
مستقبل الصراع
يحتوي القسم الثالث على فصل واحد بعنوان «حل الدولتين هو الطريق الوحيد للمضي قدماً»، ويتحدى فيه بابي خرافة «حل الدولتين هو الحل الوحيد» لتسوية هذا الصراع، ويشبّه هذا الحل بأنه مثل جثة تؤخذ إلى المشرحة بين الحين والآخر، ويتم إلباسها ملابس أنيقة، لتظهر كأنها شخص حي، وعندما لا يجدون نفعاً لهذا الشخص/الحل، يعيدونه إلى المشرحة، ويقولون أنه لا حياة فيه، ويقدم فيه الآراء المطروحة من قبل العلماء والأكاديميين الذين يجدون حلولاً أفضل تقوم على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي الخاتمة المعنونة «دولة «إسرائيل» الاستعمارية الاستيطانية في القرن الواحد والعشرين»، يتحدث الكاتب عن مفهومي الاستعمار والاحتلال، وارتباط الاستعمار مع الدول الأوروبية التي كانت تخلق دولاً «بيضاء»، في الوقت الذي كان فيه السكان الأصليون لديهم ممالكهم، وقاد هذا النهج الاستعماري إلى نظام فصل عنصري، كما في جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، وهي السنة نفسها 1948 التي قامت فيها «إسرائيل» بالتطهير العرقي في فلسطين، إذ تعاملت مع السكان الأصليين بالمنطق الاستعماري الأوروبي نفسه. ويتحدث عن ضرورة القضاء على هذا المنطق الاستيطاني الاستعماري، والتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها في فلسطين منذ 100 عام.
ويؤكد أن الشرعية الأخلاقية «لإسرائيل» عندما تروج لنفسها على مستوى العالم هي موضع شك مستمر، لأن الدولة «الإسرائيلية» قامت على جثث أشخاص آخرين، هم سكان الأرض الأصليون، تم سلبهم ونهبهم بأبشع الأساليب. ويجد أنه على «إسرائيل» أن تتوجه بشجاعة إلى الاعتراف بجرائمها بحق الفلسطينيين، وألا تحاول طمس الحقائق، ولا يجد أن هذا الأمر في وارد الممكن، إذا ما استمرت في الترويج لهذه الخرافات العشر.
نبذة عن المؤلف
إيلان بابي، مؤرخ «إسرائيلي»، وناشط اشتراكي. وهو أستاذ في كلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستر البريطانية، كما أنه مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في الجامعة، والمدير المشارك لمركز إكستر للدراسات العرقية والسياسية. اضطر لمغادرة «إسرائيل» بسبب تهديدات على حياته، وهو يعتبر من المؤرخين الجدد، له كتب عدة، منها «التطهير العرقي لفلسطين»، و«غزة في أزمة» بالاشتراك مع الكاتب نعوم تشومسكي، و«فكرة «إسرائيل»»، و«خارج الإطار: النضال لأجل الحرية الأكاديمية في «إسرائيل»»، وهو يكتب للعديد من الصحف البريطانية والأمريكية.