عصفور الشرق في البيت الأبيض
د. نسيم الخوري
«طار» وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون بتغريدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغطّ مكانه مايك بومبيو رئيس وكالة المخابرات المركزية مغرّداً بالطبع من «أنّ أمريكا أصبحت أكثر أماناً وهو يتطلّع لتمثيل شعبها أمام العالم» ليغطّ على رأس ال «سي.آي.أيه» مكانه جينا هاسبل أول امرأة تتولى هذا المنصب في الولايات المتحدة. و«طار» وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية والشؤون العامة، ستيف جولدشتاين بسبب تغريداته تعليقاً على إقالة وزير الخارجية.
عندما يغطّ عصفور «التويتر» الأزرق مغرداً، يطفو الريش في عنقه الدقيق، وتلتئم عصافير الأرض من حوله بأشكالها وألوانها وزقزقاتها المختلفة لتقليده. تتعثّر الحناجر الصغيرة وتتداخل الأصوات وتعمّ الفوضى ويطغى مناخ بلبلة وعدم فهم وإبهام.
تلك هي حكاية عصفور الشرق التي حوّلها الشاب جاك دورسي في ال2006 إلى حقيقة اتّصالية غربية تمكّنت من لغات العالم والعصر. لكن مهلاً !
يفترض التوضيح أنّ عصفور التويتر هو من اليابان وكوريا التي يحزم الرئيس الأمريكي حقيبته إليها في نيسان/أبريل المقبل، وكذلك هو عصفور من الصين وروسيا. ينتقل العصفور في الشتاء إلى جنوب شرق آسيا وتحديداً فيتنام، وكمبوديا، وتايلاند وسومطرة !
ألا يفترض بنا التحديق إلى هناك لنصدّق التحولات، ونقرأ مناخات ربيع الدبلوماسية الأمريكية الجديدة المتعددة الأوجه والتطلعات؟
كيف نربط بين الدراسات والتقارير والقمم والتوصيات وكلمات السر وتغريدات الحكّام ورؤساء الدول والسياسيين في العالم، في زمنٍ لم تخرج بلادنا من عنوانه أو ربيعه القاسي بعد، أعني«الفوضى الخلاقة»؟
قطعاً، نذهب إلى الأمكنة والألسنة كلّها. فعندما تتحول السياسات والعلاقات الدولية إلى تغريدات، ويصعب جمعها من السلال الضوئية لنرسم بها خرائط المقاصد والنوايا، تبدو اللمح المختصرة أو التلميحات التي يعجّ بها الفضاء وتفتن بها عيون البشر وتلهث وراءها وسائل الإعلام التقليدية وكأنّها تعشش في البيت الأبيض وبيوت القرار.
صحيح أن العديد من القراءات وردود الفعل جاءت حافلة بالخوف والتوجس والقلق العربي من متغيرات ترامب، لكن دروب المواءمة في سياسة أمريكا الخارجية كانت وعرة ومعلنة في أكثر من ملفّ خارجي أهمّها: الاتفاق النووي الإيراني وخطورة التمدد الإيراني في الشرق الأوسط عبر نفوذ طهران في سوريا ومواجهة الخطر الروسي المستغرق في الشرق وكيفية مواجهته على كافة الصعد، والأسلوب الأفضل لمعالجة أزمة كوريا الشمالية.
إنّ الرئيس الأمريكي يبدو أكثر تمكّناً من التحديق أمنياً نحو العالم من خلف المكتب البيضاوي الذي وضعت فوق رفوفه الكثير من الملفّات الشائكة الداخلية والخارجية، وهو لطالما تحمّل الكثير من الأرق مع وزير خارجيته السابق ومعاونيه شدّاً بين الدبلوماسية الناعمة والخشنة في مقاربة تلك الملفّات. كان زوج ابنته جاريد كوشنر اليهودي يتكفّل بها عبر الأدوار الدبلوماسية الخفية والفعّالة التي تجاوزت بتأثيراتها ما يرسم ويطفو حول المكتب البيضاوي، وخصوصاً في ملفات الشرق الأوسط .
قد يذكّرنا هذا الوضع بالسؤال المطروح مع مغادرة أوباما البيت الأبيض: هل هناك ما يمنع من أن يكون الرئيس الأمريكي المقبل يهودي الأصل؟
يعيدنا السؤال إلى ولايتي الرئيس باراك حسين أوباما حيث كان اسم أبيه حسين حاضراً على الدوام في أدبيات «إسرائيل» والكثير من السياسيين في الغرب والعالم تدليلاً على النيل من جذوره الإسلامية في جاكرتا، وتمهيداً للمبالغة في إعلان فشله في سياسته الخارجية إلى حدّ بان معه أوباما في الصحافة «الإسرائيلية» أكبر كارثة بالنسبة ل«إسرائيل» انصاعت خلالها أمريكا لإيران وباكستان وأفغانستان.
يحيلنا هذا السؤال العفوي إلى آخر: وهل يشعر اليهود بحاجة إلى رئيس يهودي يحكم البيت الأبيض؟ لا. لطالما هم أصحاب نفوذ متجذّر في الدوائر صاحبة القرار، ليس في أمريكا وحسب، بل في الكثير من المحافل الأوروبية والإقليمية؟
نطرح هذين السؤالين بتجدد المناخ أي الصراع النووي المسكون بالكثير من الخيال والمخاطر في شرق أوسط لم يخرج من ركامه وموعود بالهواجس والحسابات الاستراتيجية والمخاطر المتقاطعة بين الإرهاب المتنقل والدين والخروج من التفاهمات النووية بما يعيد طرح توازنات الرعب في المنطقة ومسألة تدفّق السلاح والصواريخ والبحث عن التكافؤ في القوة بين الأطراف المتصارعة إلى تجديد التأجج والحروب.
drnassim@hotmail.com