مقالات رئيس التحرير

عفوا أمريكا

محمد سعيد القبيسي

يبدو من الوهلة الاولى للتصريحات الامريكية في قضايا الشرق الاوسط، بانها لاتزال تضع تلك النظارة القديمة والتي عفا عليها الزمن، حيث تكاد لا تخلو تلك التصريحات من بعض الغبار الذي يزكم الانوف، والاصوات الصادرة من سيمفونية قديمة محفوظة، والتي باتت تزعج المستمع بعد ان كانت تسعده، وليس عليها ان تستبدل النظارة التي ترى بها الامور حاليا باخرى، اذ لابد من ان تخضع لعملية جراحية تصحيحية لنظرها، بمعنى ان من تستعين بهم الان في التنظير في قضايا الشرق الاوسط قد اصبحوا مجموعة من الكهول، لدرجة كثرة سقوطهم، سواءا وهم يمشون او حتى يصعدون على سلالم الطائرات، تاخذ بعدها فترة نقاهة طويلة يتخللها برنامج تدريبي تثقيفي كثيف، حول كيفية التعامل مع الشعوب العربية بحلتهم الجديدة، وطريقة تفكيرهم وتوجهاتهم، حيث انها بالامس القريب كانت تتعامل مع اشخاص فرديين يحكمون شعوبا، اما الان فهي تتعامل مع شعوب باكملها، شعوبا ابت ان تعيش تحت مظلة الظلم والطغاة، شعوبا شابة ومتحضرة لها تفكيرها وحضورها وتوجهاتها المستقبلية، والتي تديرها حاجة الشعب ورغباته، وقد تعجز امريكا في التعامل مع هذه الشعوب مستقبلا اذا لم تتغير وتغير من سياستها لما يتناسب مع توجهاتهم وتطلعاتهم نحو مستقبل مشرق وديمقراطية جديدة، وبما ان امريكا هي القوة العظمى، ولها مصالحها الكبيرة في الشرق الاوسط، والتي يجب ان تحافظ عليها وتحميها، حيث لعبت سابقا دورا كبيرا في تخليص الشعوب من الطغاة.

ولكن الشعوب الان ليسوا بحاجة الى امريكا لتخليصهم من الطغاة والظلم، لان الشارع العربي اصبح اليوم يملك جميع المقومات الاساسية والاسلحة السلمية لاسقاط انظمة الظلم، وفي وقت زمني قصير، عكس امريكا والتي استغرقها الامر اشهر عديدة باستخدام جميع وسائل القتل والدمار في اسقاط نظام صدام، وسنوات حتى الان ولم تستطع توفير الامن والاستقرار للشعب العراقي، وبعد تجربة الثورات ونجاحها في اسقاط الانظمة الظالمة تغير بعدها الشارع العربي الان عما كان به في السنوات السابقة، واصبحت اسرار اللعبة مكشوفة و تتطور من مرحلة الى اخرى ومن بلد الى اخر.

وحيث ان على امريكا الان عليها ان تراجع الكثير من حساباتها تجاه سياستها الخارجية، و تعمل على توحيدها، وان تترك اسلوب التطبيل في كل حارة، حيث ما نراه ونتابعه من تصريحات امريكية في ظل الاضطرابات الحالية في الشرق الاوسط، هو مايبين لنا عدم ادراكها لما يحدث، فنراها تارة تنصح بضبط النفس في مرحلة يكون الخيار العسكري هو الخيار الفاصل، وتنصح رئيس بلد بالتنحي في مرحلة يكون فيها الحوار هو الخيار الامثل، وترى في مكان اخر بان الخيار الامني ليس كافيا وهذه الجملة هي من الجمل التي ترفع الضغط الى اعلى مستوياته، ونسالها اذا كان الخيار الامني ليس كافيا فما هو الخيار الافضل الذي تراه امريكا من وجهة نظرها، ومن جهة اخرى ترى امريكا بان العمليات العسكرية على ليبيا ليست لاستبدال نظام الحكم فيها بل لحماية الشعب، اذا كيف ان العمليات العسكرية لحماية الشعب، وليست لاستبدال النظام، ولن تنتهي الا بزوال النظام، وكيف سيزول النظام هل بالثورة الشعبية المحاصرة من قوات القذافي او من العمليات العسكرية التي تشنها قوات التحالف الدولي؟ وكيف تحمي الشعب والنظام مازال قائما في حرب الابادة وقتل وتشريد المدنيين من الليبين تحت نيران القصف القذافي.

وبالعودة الى الملف الايراني نجد بان امريكا لم تحرك ساكنا تجاه ايران في سلوكها نحو قمع المتظاهرين وسجن كبار المعارضين للنظام، وايضا الملف النووي والمفاعلات النووية الايرانية والتي تكاد تكون اقرب الى دول الخليج من العاصمة طهران، ولناخذ على سبيل المثال دولة كاليابان من حيث العبرة لهم حيث انها البلد الذي يستخدم احدث الانظمة المتطوره، وقد اكتشف لديهم التسرب الاشعاعي بعد الانفجارات التي حدثت بسبب الزلازل الاخيرة، وتوالي تاثير هذه الكارثة التي قد تمتد لسنوات عدة، فما بالك بدولة مثل ايران وبها مفاعلات نووية انشات على اقدم وسائل البناء الموجوده في وقتنا هذا، وفي حال لاقدر الله حدوث انفجار او تسرب اشعاعي من سيحمى الدول المجاورة، وماهي التداعيات الاخرى والتي من الممكن ان تؤثر على المنطقة جراء حدوث مثل هذه الكارثة، ملفات كثيرة، وقضايا كبيرة، تحتاج من الحكومة الامريكية الوقت الطويل في اعادة ترتيبها حسب الاولويات والاحداث الراهنة.

وما رايناه في الفترة السابقة في السياسة الامريكية هو ان امريكا قد تتخلى عن حلفائها بسهولة بمجرد علمها بانهم على وشك السقوط، لتبدء في انشاء وفتح قنوات اتصال مع الجهة التي تراها قد تتولى السلطة حتى لو كانت ضدها، كل هذه الامور ليست من صالحها، بل عليها ان تعزز مكانتها كقوة عظمى في العالم، في الدفاع عن حقوق الانسان، وحماية وليد الشرق الاوسط الجديد (الديمقراطية) باختيارها الطرق الصحيحة في مساندة قوى الحق في رفع الظلم عن الشعوب.

وما لانعلمه في وقتنا الحالي هو: ماهي توجهات السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط، في ظل هذه الاحداث والاضطرابات واستمرار عدم وضوح الرؤية، وهذا بالنسبة لنا كعرب وفي وسط الحدث فكيف لامريكا في الجهة الاخرى من العالم وبنظارتها القديمة، وعندما ذكرت بفترة النقاهة، فحتما هي فترة التزام الصمت الامريكي حتى تتضح الرؤيا، عندها يكون لكل حادثة حديث.

نشرت على العربية نت

زر الذهاب إلى الأعلى