علاقة تركيا الحالية بالعرب
علي جرادات
يسهلُ استنتاج أن تركيا حققت في السنوات العشر الأولى لحكم حزب «العدالة والتنمية»، بزعامة أردوغان، نجاحات كثيرة، يعنينا منها، اتصالاً بموضوعنا، ارتفاع حجم الصادرات التركية من 25 مليار دولار إلى 150 ملياراً، منها، (وهنا الأهم)، 50 ملياراً مع العرب، بينما بلغت الاستثمارات التركية في حلب وحدها 7 مليارات دولار. هذا يعني أنه بفضل مقاربة «صفر مشاكل» تحسنت علاقة تركيا بالعرب، حتى، إن كان انسداد باب انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو ما دفع نحو طرح مقاربة «عودة تركيا إلى محيطها الجغرافي والتاريخي»، كمقاربة أدت، فيما أدت، إلى زيادة شعبية حزب أردوغان، وحصاده الانتخابي، حتى أصبح بمقدوره تشكيل الحكومة منفرداً، والمساهمة في تطوير بناء دولة مؤسساتية لا انقلابات عسكرية فيها، ولا وصاية للجيش عليها.
بالمقابل، يصعب إنكار حقيقة أنه ما إن انطلق الحراك الشعبي العربي، حتى تخلى حزب «العدالة والتنمية» عن مقاربة «صفر مشاكل» لمصلحة مقاربة مختلفة تماماً، أساسها تقديرات خاطئة، ومفرطة في التفاؤل، رأت أن فوز جماعة «الإخوان» بالسلطة في مصر وتونس فوزاً نهائياً، وأن «الجماعة» باتت قاب قوسين أو أدنى من تولي السلطة في سوريا، أيضاً.
هذا يعني أن ثمة أطماعاً تركية للسيطرة على المنطقة العربية. وبالتالي، فإنه لا مجال في عهد حزب «العدالة والتنمية»، لفهم دقيق للتحولات الدراماتيكية في سياسة تركيا الخارجية تجاه العرب، مع إغفال حقائق أن حزب «العدالة والتنمية» هو حزب «إخواني» الأصل، والمنطلق، والتطلعات؛ وأن تركيا الحالية لا تزال عضواً في حلف «الناتو»، وأن سيناريو نهوضها لا يتم عبر نظرية «التصادم» مع «الغرب» الاستعماري، بل عبر نظرية «التعاون» معه، ومن موقع التبعية له.
لكن، ولأن «السياسة جبر لا حساب» وفيها المجهول، وخرائطها متغيرة لا تعرف الثبات، فقد سقطت رهانات حزب العدالة، حيث أطاح الشعب المصري، بمساندة جيشه الوطني، سلطة «الإخوان» ؛ فيما لم يعد بمقدور «حزب النهضة» التونسي التفرد بالسلطة، بل، وتراجع حصاده الانتخابي؛ أما رهانات صعود «إخوان» سوريا إلى السلطة، فذهبت أدراج الرياح. لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، تواصلت انزلاقات حزب العدالة، بفعل طموحاته غير الواقعية، وأطماعه غير المبررة، وعقله «الانتصاروي» الفاشل بسبب افتقاده الحس الواقعي والتاريخي؛ لدرجة تحويل تركيا، وفق قاعدة «عدو عدوي صديقي»، إلى ممر ومستقر للمجموعات الإسلاموية الإرهابية، إن كان إلى العراق وسوريا، أو إلى سيناء وليبيا، وما اعتراف رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم، بذلك، سوى دليل آخر قدمه، مؤخراً، حليف ثابت للحزب التركي، يضاف لأدلة كثيرة قدمها مسؤولون غربيون كبار.
وهذا ما أدخل تركيا في حالة عداء مع مصر وسوريا، والحكومة المنتخبة في ليبيا، وبدرجة أقل مع العراق؛ وفي حالة عدم ثقة مع روسيا، لم تنته كلياً بعد، ومع دول إقليمية وعالمية أخرى؛ بل وقاد، أيضاً، إلى تراجع معدلات النمو القومي التركي من 2.5 إلى 1.6؛ وإلى خسارة الليرة التركية نحو 15% من قيمتها السوقية؛ وإلى تفاقم التناقضات التركية الداخلية لدرجة عودة شبح الانقلابات العسكرية، بدلالة محاولة الانقلاب عام 2016. بل وكان من شأن تنفيذها إنهاء صراع تركيا مع أكراد سوريا، وتجنيب تركيا التورط في الحرب الدائرة على عفرين، لاقتطاع جزء من الأرض السورية، وإقامة منطقة عازلة عليه، كهدف تركي ثابت ومعلن منذ بداية الأزمة السورية.
ali-jaradat@hotmail.com