علم نفس الفوضى
عبداللطيف الزبيدي
هل في العنوان إشكالية؟ يبدو صالحاً لطرح ألف مبحث. للحقيقة، لم يخطر ببال القلم السفر الذهني إلى فرنسا، حيث السترات الصفراء انتقلت عدواها إلى بلجيكا وبلغاريا وهولندا. الوصفة هي هي: تحطيم السيارات، إحراق المحال، قطع الشوارع بالإطارات المشتعلة، وافتتان المتظاهرين بالنحو وتحولهم إلى «جمع تكسير». حين يفور التنور في بلد، لا فرق بعدُ بين المتقدم والمتخلّف، المستوى العلمي والتقاني، منسوب الحريات، استقلالية القضاء، العدالة الاجتماعية إلخ. في باريس لم تصفع شرطية البوعزيزي ولا هذا أحرق نفسه. لكن لا فرق في عين السخط بين ماكرون والزين. كلمة واحدة: «ارحل». لا داعي إذاً إلى التحليل، فالموضوع لم يكن هذا.
لم يطف بالخاطر أن باريس بالذات، هي أكبر معمل لتفريخ مدارس الأدب والفن، وأنها هي التي «طربقت» الدنيا على دماغ الإبداع الفني، وهشمت الأشكال والأجناس، حين دمرت الحرب العالمية الأولى أشكال الحضارة الغربية، ثم جاءت الحرب الثانية فبرهنت على أن عظمة العلم هي الأقدر على أن تكون حضيض انحطاط البشرية، الدرك الأسفل هو الهيروشيمية، إلى أن باتت القيم الحضارية يمثلها طحن الأوطان وجعلها دولاً فاشلة، باسم القيم والمثل والمبادئ السامية طبعاً. هل ثمة علم نفس للفوضى يستطيع أن يحلل لنا، خارج متاهة المفاهيم الجديدة للقيم، كيف أصبح القانون الدولي لا يساوي ثمن حرف من الحبر الذي كتب به؟
الذنب ليس ذنب القلم، فالعنوان هو الذي استولى على مكانه، قبل اختيار المبحث الأولى بالطرح. لكن هذه عادة جارية في المشارق والمغارب. فالأبوان قبل مجيء المولود يقضون تسعة أشهر في انتقاء الاسم. فيروز صادقة: «أسامينا، شو تعبوا أهالينا تا لقوها». شؤون العالم العربي أمست آخر ما يلفت انتباه العرب، لهذا لم يبادر الذهن إلى التحليل النفسي للفوضى التي تنسف المنظومة العربية. ملكية الأوطان في دنيا العرب طريفة: السفينة ملكك، لكن قمرة الملاحة يتحكم فيها غيرك، بالتالي، العلاقات بين السفن العربية يحددها الذين لا يملكونها.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: حين تتعدد المنظومات الفوضوية، تصبح الفوضى هي النظام.
abuzzabaed@gmail.com