قضايا ودراسات

على حبل الغسيل

يدهشك، كمشاهد «آلي» للتلفزيون وقد اقتحمت الفضائيات حياتك.. سرعة البديهة والحضور الدائم للمحلل السياسي، الذي يحتاج هو نفسه إلى محلل نفسي.

فَرّخ الربيع السياسي العربي في السنوات السبع العجاف الماضية فرقة محللين سياسيين جاهزين للتحليل على الهواء المباشر من موسكو إلى أنقرة واسطنبول بشكل خاص. أغلبهم، وبخاصة الروس يجيدون اللغة العربية، أما الأتراك فهي لغة الجوار بالنسبة إليهم.. اللغة التي تستدعي الاستجابة للتعليق على الوقائع السياسية اليومية، وما أكثرها، أما في «القاع» الثقافي التركي فالعربية لغة ثانوية هامشية، وفي اسطنبول مدينة الخليط الثقافي واللغوي يفضل التركي الكلام بلغة بلاده، أما إذا كان السائح عربياً فيتحدث إليه باللغة الإنجليزية الدارجة في تركيا.
يحلم التركي الذي لا يحب العرب، ولا يحب العربية أن يتحدث بالإنجليزية على كل علاته اللغوية، فاللغة دائماً بوابة للثقافات والحضارات والدول، والتركي اللبق بالإنجليزية لأنه ينزع لأن يكون أوروبياً أصيب لغوياً وثقافياً بخيبة أمل.. فلا هو أوروبي، وبالكاد هو شرقي، ومن قلب هذه الازدواجية المريرة لا يكف عن التحليل في الربيع العربي.
الروسي مختلف تماماً عن التركي لقد جاء بلغته وسلاحه وثيابه إلى القوس الأعلى من الهلال الخصيب.. ومعه لغويون ومترجمون فوريون، وعنده أيضاً من يقرأ ويكتب بالعربية.
الإيراني، أيضاً، عنده الناطق الإعلامي بالعربية، وفي قاعه الثقافي تكمن عنصريته اللغوية والثقافية عندما يرى أن التاريخ يجب أن يكتب بالفارسية، ولكن اللغات تهاجر مثل البشر كما يقول محمود درويش، واللغات، أيضاً تموت وإن لم تمت يقل استعمالها، فلا التركية تصلح اليوم للتحليل السياسي الهوائي المباشر، ولا الفارسية، ولا الروسية.. ولا بعض اللغات الهامشية المساعدة.
عاش حافظ شيرازي الإيراني في ذاكرة العالم؛ لأنه كتب شعراً للحياة والحب والإنسانية بلغة لم تعرف أبداً الكراهية والعنف والتطرف، وعاش ناظم حكمت التركي، في بيت العالم؛ لأنه كتب شعراً بلغة تؤدي التحية للبشر والحب والشجاعة، وكتب بوشكين الروسي شعراً نبيلاً بلغة لم يكن بين مفرداتها ما يستعمله اليوم جلاوزة السياسة الغلاظ في إيقاع الجسد، والغلاظ في إيقاع اللغة.
ثلاث لغات، لثلاثة معلقين.. علقوا ثيابهم على حبل الغسيل.. ويدهشك من ينشر غسيله بهذه السرعة.. وبهذا الأداء الفضائي.. المحلل.. «اللامحرم».
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى