عندما يبكي وطن
محمد سعيد القبيسي
يبكي وطن وتسيل دموعه دماء لشهداء ابرياء اثر طعنات في خاصرته، وتأتي من حيث لايتخيله عقل او منطق او يخطر على بال، تاتي من اقرب البشر، بل من هم قطعة من جسده, هم ابناؤه ابناء الوطن، ابناؤه الذين لم يبخل عليهم في شيء، فهم ولدوا و تعالجوا في مستشفياته، وترعرعوا في ظله وتعلموا في مدارسه وجامعاته وتسلحوا بالعلم والمعرفة ليعملوا في رد هذا الجميل عملا وبناء وجهدا لرفعته والمحافظة عليه، واستند الوطن على سواعدهم ليكونوا حماته من غدر الغادرين وعبث العابثين وخيانة الخائنين.
منذ ايام ودعت المملكة العربية السعودية الشقيقة شهداء سقطوا وهم بلباس الواجب وفي بيت من بيوت الله مطمئنين يؤدونن فريضتهم, لتأتيهم ضربة غدر غير متوقعة من مجرم سفاح لايعرفة قداسة مسجد, ولا حرمة قتل نفس مسلمة, جاءت لإداء فريضة صلاة, مفجرا نفسه الظالمة بين هؤلاء, ليستشهد عددا منهم ملاقيا ربه في لباس الطهارة والقداسة والرجولة , بينما لايزال آخرون يعانون من جراحهم التي آلمتهم إثر هذا التفجير الغاشم الفاجر المجرم.
سؤال يطرح نفسه في كل مرة يحدث مثل هذه الجرائم، وهو ماهي الادوات التي استخدمت لاقناع مثل هؤلاء الشبان ليغدرواا بوطنهم واخوانهم؟
بالتأكيد ليست المادة او المال فقط هي السبب، لان من يفكر بالمال والمادة لن يقتل نفسه، ولكنه فكر يسري في غياهب الليل،، وعبر دهاليز الظلام، ومواقع التواصل الاجتماعي التي تقودها جماعات ومنظمات ارهابية، ليس لها دين تعتنقه، او اخلاق او انسانية، غير امتهان القتل والتدمير وزعزعة آمن الآمنين, وتبحث عن مثل هؤلاء الشباب المغرر بهم والذين سلموا أرواحهم وولاءهم لهذه الجماعات، لتبث سمومها لهم وتقنعهم بأن مايقومون به هو الصحيح وآن الجنة تدخل على جثث الأبرياء.
فكر تنظيمي مدمر لم يتكون عبثا، وليس كما يشاع انه نشأ من تطرف ديني، وانما هو مخطط تآمري ترعاه جهات استعمارية،، خططت له من اجل توقيف الامتداد الحضاري لهذه الامة، ولتقاوم عوامل التعليم الذي قد ينير دروب ابناء الشعوب الضعيفة, وذلك ليستنفذ قوتها البشرية، ويغير تركيبتها السكانية، وخريطتها السياسية.
نحن الآن نواجه فكر, والفكر لايحارب إلا بفكر, ولن تجدي الأسلحة والعتاد لمحاربة أي فكر في هذا العالم، او صده عن بث سمومهه بين الشباب المغرر بهم وبأساليب شتى , تارة بالمال, وتارة باثارة الغرائز واستخدام المستحضرات الطبية للهلوسة وغسل الادمغة.
ومن هنا يآتي دور الاسرة والجهات التعليمية ورجال الدين والعلم للعمل سويا وفي اطار واحد في صد هذا الفكر الارهابي الجنونيي المتطرف ومحاربته, وبالبدء من الاسرة التي عليها ان تراقب ابنائها وان تزرع في نفوسهم حب الوطن والولاء له، وايضا الجهات العلمية التي يقضي فيها الشباب اكثر اوقاتهم لابد من عمل البرامج لغرس القيم والمباديء والاخلاق الاسلامية السمحة التي تدعو الى السلم والسلام والوسطية وتنبذ شعارات الكره والحقد والتفرقة بين الناس والمجتمعات وتكفيرهم، بجانب المواد التدريسية، وهكذا رجال الدين والعلم في محاضراتهم التي يلقونها أن يسلطوا الضوء بشكل اكبر على هذا الفكر الارهابي المتطرف، وأن يبينوا حرمة مايقوم به هؤلاء المجرمين وان لا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد.
وفي النهاية كلمة لكل شاب قبل أن تقدم على اي خطوة في فعل اي شيء، انظر من حولك الى اسرتك ومجتمعك ووطنك، انظر ماذا قدموا لك؟ وكيف تعيش في أمن وأمان مطمئن، وقارن بينك وبين البلدان الاخرى التي تعيش وهم الخلافة ووهم الاسلام الذين يرونه، وكيف يعيشون، في تلك المناطق الملتهبة المتناحرة، التي فيها يقتل الأخ أخاه المسلم لمطامع دنيوية واختلافات فكرية، وليست دينية, وانظر الى من يقودون هذه التجمعات والجماعات، وهل فعلا سيقومون بتفجير انفسهم لو سألتوهم ذلك؟ بالتآكيد لن يقوموا بذلك، انهم يريدونكم انتم لتكونوا حطبا لنارهم في الدني،ا وستكونون حتما حطبا لنار جهنم في الاخرة، الم تسمعوا قول الله تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء.
ارجع الى صوابك ايها الشاب، واسال اهل العلم اذا كان لديك شك في شيء، واستشر من ترى بأنه أهل للاستشارة، راجع ماستطعت من الفقه الاسلامي السليم الذي أمتد الى عقود منذ فجر الاسلام ،فهل هناك فكر أباح هذا القتل والانفجارات، او قتل بهائم حتى، او إيذاء شجرة؟
فمتى تصحو من غفلة الجهل الى ساحة العلم والايمان والمعرفة والوعي, والفهم السليم.
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر ومكروه